أمامي ولكن على بعض من بُعد ما يسمى أيقونة المنديل الذي مسحت به فيرونيكا وجه السيّد في طريقه إلى الآلام. استوقفني أن ليس له طريق أخرى أو بهذه الطريق يريد أن أعرفه. وإذا قرأتها أقرأ حبّه.
لم يترك لنا لغة أخرى. أَصَرَّ على أن نقرأه من خلال الموجَعِين. ولهذا جعل الصليب لغَّتهُ. المسيح بعد قيامته ليس فيه ألم، ولكنَّه قائم في المتألمين. هؤلاء هم موضعه الأفصح.
القيامة لا تجعلنا قياميين توًا. ينبغي لندركها أن نصير بما سبقها. هذه قاعدة مسيرتنا انها واحدة مع مسيرته. المتألمون وحدهم يحق لهم ان يرتلوا المسيح قام من بين الأموات. ربما كان هذا تأثيرًا للغرب ان نوحّد بين المسيحيّة والعذاب. هذا خطأ مُبين لأن المسيحية قيامة. بتوضيح أكبر انها لا تقف عند آلام السيّد الا لتصل إلى انتصاره على الموت. انها لا تقبل قيامة رخيصة ولا تستلذ الألم. في الدين الشعبي في الغرب تركيز على عذاب السيّد ولكن ليس في الكثلكة الرسمية. على هذا الصعيد ليس بيننا وبين هذه هوّة.
ليس من فرق بين التراث اللاتيني والتراث الشرقي في ما يتعلّق بفهم آلام السيّد. ليس واحد يقدّس العذابَ أو يقف عنده. ليس من شرق وغرب على صعيد النصوص والطقوس في آلام السيّد وقيامته. غير هذا انحراف شعبيّ في الحديث. المسيحية ديانة فرح وليست ديانة بكاء. لا يبكي الواعي على المسيح، يفرح به يوم الجمعة العظيم لأنه إطلالة على سبت النُّور أي على القيامة. انحراف شعبيّ القول أنا أتألم مع المسيح. من نأى عن بعض الممارسات الشعبية لا ينبغي أن يحسّ في جسده أي ألم مع المسيح في الأسبوع العظيم السابق للفصح. بعض من الناس يحبّون أحاسيس التوجّع الذي يظنون انها في صلواتنا. هذا تفسير خاطئ وجهل للاهوتنا. بعض من الناس يحبّون الألم ويريدون تأسيسه في آلام السيّد. هذا ليس من لاهوتنا. نحن قياميُّون.
المسيح نُور. وإذا أدركك الظلام، واجبك أن تسعى إلى النُّور. عندما نتكلم شعبيًا عن مشاركتنا آلام السيّد، لا نريد بها إنزال الوجع بنفوسنا وأجسادنا. نريد حصرًا أننا نتوب عن الخطيئة. هكذا فقط نكون مع آلامه. انه خطأ شائع أن المسيحية ديانة وجع. انها تبدأ فقط بملاحظة الأوجاع عند الإنسان لأن المسيحية واقعية، ثم تتجاوز هذا الواقع في مرارته إلى حلاوة القيامة من الوجع والخطيئة. أخطأ الغرب في حديثه الطويل عن الأوجاع وأخطأ في إيحائه بضرورة الآلام. لماذا تريد إقحامها في حياتك؟ إنها موجودة فيها. ما يطلبه الله قيامتك منها. كلّ صلواتنا تدعو إلى التماس الانتهاء من الألم. لا أعرف عندنا دعاء واحدًا نستبقي فيه الألم. الصليب لم يبق موضعًا نهائيًا للألم. كان مرحلة للقيامة. لذلك تقول كنيستي: “بالصليب قد أتى الفرح لكل العالم” كلّ أحد صباحًا.
وجهُ المسيح مع ان الحاكم الروماني ضربه بقي وجهًا نورانيًا. نحن لا نسقط في الظلام. القيامة نورانية في الناس وليس في المسيح فقط، ولكن ورثنا من السيّد عبقرية ان ننهض دائمًا من الموت إلى الحياة.
في التصوير البيزنطي الحقيقي للمصلوب انه مفتوح العينين على الخشبة لنقول ان الموت لم يتحكم فيه. “ما قتلوه وما صلبوه” يمكنك، مسيحيًا، أن تقبلها إن فهمتها أنها لا تعني انهم بقتله قضوا عليه. لذلك نبقى حتى في موسم الفصح مع أيقونة المصلوب. لا نقبل ان يكون الأشرار قضوا في لحظة واحدة على المصلوب، ونعلم انه بالألم والغلبة على الأمم انتصر وأعطى العالم الحياة.
لا نصل إلى القيامة الاَّ بالصليب، ولكن إن وقفنا على الصليب متوجّعين ولم نَفرح به لا نكون قد بلغنا الفصح. الفصح يبدأ بالجمعة العظيم. المسيح بقي حيًا في صلبه.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 42، الأحد 19 تشـرين الأول 2014