“قُلْ لي من تعاشر أَقُلْ لك من أنتَ”. الحديث والإلفة مع شخص مثقَّف يُوصِلان الكثير من المعرفة. الحديث (أي الصلاة) والإلفة مع المسيح يُكْسِبُنا الكثير من صفات السَّيِّد. كذلك، الحديث مع القدِّيس يجلِبُ القداسة. هكذا، “مع البارِّ تكون بارًّا ومع الوديع تكون… وديعًا ومع القويم تكون قويمًا” (مزمور 17: 25-26).
* * *
الآباء القدِّيسون ولدونا في المسيح أي نقلوا إلينا تعالميه في إطار ثقافةِ العصر الذي كانوا يعيشون فيه. لقد جمعوا التَّعليم إلى القداسة، ولذلك سمَّيناهم الآباء القدِّيسين. إن اكتسب الواحدُ فكرَ الآباء وروحيَّتهم، عن طريق مطالعة كتاباتهم، يصل إلى هدفهم الذي هو الخلاص. إن كنتَ واحدً مع رأيهم وروحهم تَخلُص أنتَ أيضًا. كتابات الآباء القدّيسين مكتوبة بوحي من الرُّوح القدس. كلُّها موحَّدَة بالإنجيل. الإنجيل يسمحُ فقط للمتواضع بالدخول إلى أعماقه.
* * *
الآباء هم الَّذين نقلوا ونشروا العقيدة القويمة وتعليمَ الرسل. كانوا معلِّمين بالدَّرجة الأولى، بل، أكثر من ذلك، كانوا شهوداً لديمومة البشارة وأصالتها بنقلهم إيّاها من جيل إلى جيل. الإنسان لا يقدر أن يفهم الإنجيل وكتابات الآباء ما لم يتُبْ، ما لم يغيِّر ذهنُه، تفكيرُه بل حياتَه. التوبة لا تعني فقط الإقرار بالخطايا والندم عليها، بل تعني أيضاً “تغيير الذهن” الذي يبدأ بنُكران الذَّات ويتحقَّق بختم الرُّوح القدس. نعيش اليوم في عصرٍ من الفوضى الفكريَّة. لذا، يبقى هذا “الإيمان الذي سُلِّمَ مرَّة للقدّيسين” (يهوذا) ) يُرْشِدُنا وسط الضباب الفكريِّ على الرغم من أنَّه، في تعابير الكتاب المقدّس أو كتابات الآباء، يظهر لنا قديماً بحسب مقياسنا العالميّ. يقول القدّيس إيريناوس: “ليست الكنيسة متحفًا للودائِع المَيْتَةِ”. لا نستطيع أن نبنيَ عالمًا جديدًا إلاّ ببناء الإنسان الجديد. ويقول الأب فلورفسكي: “إنَّ مؤلّفات الآباء أكثر حداثة لمشاكل عصرنا الحاضر من نِتاج اللاهوتيِّين المعاصِرين”.
* * *
لأجل هذا كلّه، أنشأنا في هذه الأبرشية المحروسة من الله المركز الرعائي للتراث الآبائي الأرثوذكسي الذي نتوّخى منه أن يساهم في تعريف شعبنا المحبّ لله بتراث كنيسته وفكر آبائها لبناء النفوس والإجابة على أسئلة المؤمنين الملَّحة والمعاصرة بروح تسليم الكنيسة لما فيه تألق شهادة كنيستنا وأبنائها في هذا العالم لمجد الله، آمين.
عن نشرة “الكرمة”، أحد آباء المجمع الأول-5 حزيران 2011