تعريف:
طبعًا إنه عيد دخول السيّد إلى الهيكل كما جاء في إنجيل لوقا (الإصحاح الثاني)، ولكن هو في الوقت نفسه عيد اللقاء، وهذا عنوان أيقونة العيد في اللغة اليونانيّة.
هذا الاسم أي اللقاء عُبّر عنه في ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسيّة منذ الأيام الأولى للمسيحيّة، إذ أنّه:
– لقاء الإنسان القديم بالإنسان الجديد.
– لقاء العهد القديم بالعهد الجديد.
– لقاء الشريعة والناموس بالولادة الجديدة.
– لقاء الرمز بالحقيقة الكاملة.
– لقاء الإنسان بالله المتجسّد.
– لقاء النبوءات بواضعها ومحقّقها.
إذًا الهدف من هذا الاسم التركيز على المعنى الجوهري للعيد، النبوءات تتحقق واحدة تلو الأخرى:
“السماء أصبحت كلّها على الأرض، الخالق يُحمل من المخلوق ليكون هو نفسه ذبيحةً عن كلّ واحد منّا”.
أمّا سمعان الشيخ، فيمثّل الأجيال التي انتظرت الخلاص. وحنّة النبيّة تمثّل النسك والإلتزام والصبر والنقاوة.
هذه هي صورة الأنبياء الذين يجاهدون دون كلل ولا ملل.
وهذه التسميّة، وما يصاحبها من إعلانات، تُظهِر مدى ارتباط الأعياد كلّها بعضها ببعض.
ففي لحظة ابتهاج الشيخ بحمل الصبي، نراه يطلب انتقاله فرحًا، إذ لا موت بمجيء المسيح، بل هذه هي القيامة. إلى ذلك، فهو يشير لمريم عن الصليب والمجد معًا. فعوض التطهير الجسديّ، والتركيز عليه، لتطبيق الشريعة، وحتى التقدمة، يُصبح تطّهير الذات وتقدمة النفس، المبتغى والمطلوب للقاء السيّد والمخلّص الآتي، على أن نقبل دم السيّد الذي سال من جنبه على الصليب لتطّهيرنا جميعًا.
في هذا العيد، يتحوّل الهيكل الحجري، الزائل، إلى هيكل بشريّ سماويّ. «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده (يوحنا ١٤:١)»
وعوض سكب العرق البشري، والتعب الجسدي، لبناء هياكل حجريّة وحسب، أصبحنا مدعوّين لبناء هيكل روحيّ بالدموع والجهاد والنقاوة وإفراغ الذات والتوّبة.
هذا كلّه ظاهر في صلوات العيد وقراءاته وترانيمه.
هنا يكمن جمال الليتورجيا الأرثوذكسيّة.
عيد سيّدي:
تسمية هذا العيد إذاً بعيد “اللقاء”، ليس وليد الصدفة ولا كلامًا شعريًا، بل ترجمة حقيقيّة لروحيّة الكنيسة وما يعيشه المؤمنون. فمثلاً ، لمّا كانت تُقام احتفالات هذا العيد في القسطنطينيّة عام 602م في كنيسة السيدة في بلاشيرنLaVierge des Blachernes لم يأخذ العيد طابعًا مريميًا، كما ظنّ بعضهم ، بل كان عيدًا سيّديًّا بامتياز (“سيديًّا”، نسبة إلى السيّد)، لأنّه كما أشرنا سابقًا، يرتبط بكلّ التدبير الخلاصي الذي أعدّه الله للإنسان وحققّه بتجسّده وصلبه وقيامته.
تاريخ العيد الأساسي 14 شباط:
ورد في الدراسات ذات الصلة أنّ أصول العيد تعود إلى كنيسة أورشليم نفسها. فنقرأ مثلاً ذكرًا له، وللمرّة الأولى، في القرن الرابع ميلادي في مذكّرات الرّحالة إيجريا، حيث كان العيد يُحتفل به بعد أربعين يومًا من عيد الظهور الإلهيّ الذي كان هو نفسه عيد الميلاد. أي كان عيد الميلاد يقع في ٦ كانون الثاني، وبالتالي يصبح عيد الدخول في ١٤شباط.
هذه طريقة متّبعة في ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسيّة أيضا، فعيد رفع الصليب مثلاً يأتي بعد أربعين يومًا من عيد التجلّي، لما في الرقم أربعين من معاني العبور القياميّ. وكان قدّاس العيد يتمّ في كنيسة القيامة وتتناول العظة جوهر العيد ومفهومه الخلاصي.
ملاحظة: مباركة الشموع
أمّا مسألة الشموع ومباركتها، فتعود إلى عهد الإمبراطور مرقيانوس (٤٥٠-٤٥٧م) حيث كان يرافق العيد تطوافًا بالشموع.
كذلك نجد عند القدّيس كيرلّس الإسكندري (٤٤٤م) كلامًا يتوّجه فيه إلى المؤمنين بالاحتفال بالعيد بابتهاج كبير، وهم يحملون الشموع المضاءة. بالإضافة إلى كلمات عظة أورشليميّة تعود إلى القرن الخامس ميلادي تعلن:
«لنكن فرحين ومبتهجين ومنيرين ولتكن شموعنا لامعةً كقلوبنا. فيا أولاد النور لنقدّم المشاعل والمصابيح إلى النور الحقيقي الذي هو المسيح».
وأيضًا نعرف من خلال سفاريوس بطريرك أنطاكيّة في القرن السادس ميلاديّ (٥١٢-٥١٨م)، أن هذا العيد كان يُحتفل به في كنائس أورشليم والقسطنطينيّة منذ سنوات عدّة.
تعديل تاريخ العيد لـ 2 شباط:
يكتب ثيوفانوس في حوليّاته أنّه في شهر تشرين الأول من عام ٥٣٤م، اجتاح القسطنطينيّة وباءٌ خطيرٌ أودى بكثيرين ، وزال بيوم 2 شباط، فأمر عندئذ الأمبراطوريوستينيانسJustinianبنقل العيد إلى هذا اليوم.
بالمقابل، نقرأ في التاريخ الكنسيّ عند نيكيفوروسNicephoreأنّ الأمبراطوريوستينوسJustin، عمّ يوستينيانس وسلفه، هوالذي قام بنقل هذا العيد.
في الحقيقة هذه المعلومات لا تتعارض فيما بينها. ويرجّح أن يكون يوستينيانس هو من قام بهذه العمليّة، ولكن لعلّ الاختلاف يرتبط بتثبيت تاريخ عيد الميلاد في القسطنطينيّة في يوم ٢٥ كانون الأول الذي كان في ٦ كانون الثاني في عهد هذا الإمبراطور.
وبحسب سفر اللاويين (الإصحاح الثاني عشر)، يُقدّم الصبي إلى الهيكل بعد أربعين يومًا من ولادته. وفعلاً هناك ٤٠ يومًا بين ٦ كانون الثاني و١٤ شباط، وإذا كان العيد قد ثبت في 25 كانون الأول، فهناك أيضًا ٤٠ يومًا حتى ٢ شباط.
من هنا يمكننا التأكد أنّه في نهاية القرن الخامس، وبداية القرن السادس، كانت غالبيّة الكنائس في الشرق تحتفل بهذا العيد المبارك.
دخول العيد إلى الغرب:
دخل هذا العيد إلى روما مع البابا سرجيوس الأوّل (٦٨٧-٧٠١م) وهو إيطالي – سوري من سيسيليا.نسب بعض الدارسين أن دخول العيد إلى روما القديمة ،كان ليحلّ مكان عيد وثنيّ.
ولكنّ هذا الطرح لم يُحسم، مع التأكيد أن في مضمون عيد الدخول وجوهره ولاهوته ما يختلف كلّ الاختلاف عن أي عيد غير مسيحي.
طروبارية عيد دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأول:
“إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنّه منك أشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا، منيرًا الذين في الظلام. سُرَّ وابتهج أنت أيها الشيخ الصدِّيق، حاملاً على ذراعيكَ المعتق نفوسنا، والمانح لنا القيامة”.
http://www.antiochpatriarchate.org/