النعمة الإلهية لها وجوه مختلفة نُسمّيها المواهب. منها موهبة النبوّة (المستمرّة في العهد الجديد) وهي أن يقف صاحبها ليقول ما يريده الله من الكنيسة التي يكلّمها النبيّ الذي من العهد الجديد.
موهبة الخدمة في الكنيسة أكان الموهوب ذا رتبة إكليريكية أم كان علمانيا. أما المعلّم فهو الذي يبسط العقيدة بشكل متماسك وجامع لكل العقائد. أما الواعظ فهو الذي يشرح الإيمان المؤسس على قراءة الرسالة أو الإنجيل او يجمع بينهما. المتصدّق يُعطي الصدَقة ببساطة وبالدرجة الأُولى للمعوزين. اما المدبّر للشأن الاقتصادي فيكون مجتهدا. الراحم هو الذي يغفر لكل مَن احتاج الى رحمةٍ مادية كانت أَم روحية.
كل هذا تسدده المحبة التي هي بلا رياء اي بلا حب للظهور وبلا تفريق بين الناس. بعد هذا يقول بولس صاحب الرسالة الى أهل رومية يجب أن نكون ماقتي الشر فإن مُحب الشر لا يُحبّ. يُرادف هذا القول أن نكون ملتصقين بالخير، «محبّين بعضنـا بعـضا حُبًا أخـويًـا» كـما أَوصى المعلّـم: «أَحبّوا بعضُكم بعضًا كما أنا أَحببتُكم» وقد أَحببتُكم حتى الموت. ثم يطلب أن نُكرم بعضُنا بعضًا مع الانتباه الى أن نبادر بالإكرام ولا ننتظر أن يُبادر الآخر بمحبتنا. ثم يقول «غير مُتكاسلين في الاجتهاد»، الاجتهاد بالتقوى والخدمة، غير مؤجّلين الاجتهاد، «حارّين بالروح»، والحرارة فينا تنزل علينا من الروح القدس الذي ظهر كنار على التلاميذ في العلّيّة التي كانوا فيها مجتمعين خوفًا من اليهود. والحارّون في الإيمان والمحبّة هم عابدون للرب. «فرحين في الرجاء»، والفرح من الروح القدس كما يقول الرسول في موضع آخر. «صابرين في الضيق» وهو الضيق الشخصي الذي يُضايقنا به غير المسيحيين او الإخوة المسيحيون. وهو كذلك الضيق الذي يأتي على الكنيسة من الاضطهاد. «مواظبين في الصلاة» بناء على قول الكتاب ألاّ ننقطع عن الصلاة في الليل والنهار. وربما أشار هنا الى ما سُمّي «الصلاة العقلية» او «صلاة القلب» التي تكون بكلام او بغير كلام، والصلاة هي الرباط الدائم مع الله يربّينا الرب بها ويجعلنا عُشراءه.
ثم يطلب الرسول أن نكون موآسين للقديسين في احتياجاتهم، ويقصد بالقديسين كل المؤمنين. نعطيهم إحسانًا أخويًا او نعزّيهم في أحزانهم. ومن الموآساة ضيافة الغرباء حسب قول يسوع: «كنتُ غريبًا فآويتموني» إذ لا ينبغي أن يُحسّ أحد منّا أنه غريب. «باركوا الذين يُضطهدونكم». «باركوا ولا تلعنوا». هذا كلام الرب يسوع، وكلام بولس هنا صدى لكلام المعلّم.
»باركوا ولا تَلعنوا» من كلام يسوع. البركة منّا لمن أَحبّنا وأَبغضنا هي أن نستنزل بركة الله على الناس جميعًا، ومعنى بركة الله أن يمُدّنا بالحياة والنعمة وأن »يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين». هذا هو الكمال حسب قول المخلّص: «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل». إن الكمال هو السعي الى الكمال، وبذلك تُحيينا صورة الله فينا.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 30، الأحد 24 تموز1 201