“نعلمُ أنَّهُ إِنْ نُقِضَ بيتُ خيمتِنا الأرضيِّ فَلَنَا في السَّموات بناءٌ من الله بيتٌ غير مصنوع بيدٍ أبديّ” (2 كورنثوس 5: 1)
هنا، تَراجُع قِوانا الجسديَّة يدعوهُ الرَّسولُ “بيت خيمتنا الأرضيّ” .
الصَّبرُ بإيمانٍ على الشَّيخوخة، على الأوجاع الحاليَّة، يُنْشِئُ رجاءَ مجدٍ أبديٍّ لا يُقارَنُ مع الأَتعابِ الآنيَّة. (2كو 4: 17).
علينا أن ننظرَ إلى الشَّيخوخة إيجابيًّا لا سلبيًّا: إِنَّها عمليَّةُ تَجَدُّدٍ داخِلِيٍّ لا تَأَخُّر. هذه مشيئةُ الله. يُرَتِّبُها اللهُ لكي تُساهِمَ في خلاصِ الإنسان.
الإيمانُ يقلبُ مفهومَ الشَّيخوخة البشريِّ كما يقلبُ مفهومَ كلِّ جانِبٍ من حياتِنا الأرضيَّة هذه. علينا أَلاَّ نخافَ من الموتِ الجسدِيِّ بل من الخطيئة. لذا، نُداوِمُ في صلاتِنا على القول: “أَنْ نُتَمِّمَ بقيَّةَ زمانِ حياتِنا بسلامٍ وتوبة”.
الشَّيخوخةُ مرحلةٌ للنُّمُوِّ، للتَّقَدُّمِ: “إنْ كانَ إنسانَنا الخارجيّ يفنَى فالداخِلُ يتجدَّدَ يومًا فيومًا” (4: 16).
“تدهنني في شيخوختي بالدَّهْنِ الشَّهِيِّ… الصِّدِّيقُون في بيت الرَّبِّ وفي ساحات
إِلهِنَا يُزْهِرُونَ وفي شيخوختِهِم يُشْرِقُون” (مزمور 91: 12-14).
يقول القدّيس يوحنَّا الذَّهبيِّ الفم: إِبْتَهِجْ واقْفِزْ من الفرح إِنْ ظَهَرَتْ لكَ شعرةٌ رماديَّة جديدة، شعرةُ الـمَشِيب. ويقول القدّيس كوزما الإيتولي: “مِنَ الطَّبيعِيِّ للشَّيخ أَنْ يَقْتَنِي لِحْيَةً بيضاء. عندما تنمو السَّنابِلُ وتصبحُ بيضاءَ ماذا يعني ذلك سوى الحصاد”.
* * *
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، مُرافَقَةُ الـمُسِنِّينَ لها أَجْرٌ كبيرٌ عند الرَّبَّ. لِيَكُنْ عندكم مثل هذه النَّظرة الإيمانيَّة الإيجابيَّة. إِجتهِدُوا أَنْ تَبُثُّوها في فكر الشُّيوخ لدى عِنَايَتِكُم بهم بالصَّبر والمحبَّة، لأنَّ “المحبَّة أقوى من الموت”.
آخِرَةُ الإنسانِ على هذه الأرض هي أيضًا، وخصوصًا، وقتٌ للإعتراف والتَّوبة حتَّى يُفارِقَ هذه الحياةَ بنقاوةِ القلبِ مُعَايِنًا نورَ ملكوتِ الله. إِنَّها الجِهَادُ الأَخيرُ الَّذي يواجِهُهُ الإنسانُ، كما يقول لنا بعض الآباء. إِجتهِدُوا في صلاتِكُم أَنْ تربَحُوا المعركةَ راجينَ أَنْ تَنْقُلَكُمُ الملائكةُ الأوفياءُ إلى راحةِ ربِّكُم الأبديَّة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما