إنّ نعمة المعموديّة، وتفعيلها من قبل الإنسان بالاِشتراك في الأسرار المقدّسة خلال حياته الأرضية، يجعلان جسده في ساعة رقاد الموت مفعَماً بنعمة الروح القدس وقواها الإلهيّة غير المخلوقة. هذه النعمة الإلهيّة هي بمثابة عربون لقيامة الجسد، أي بقاياه، في اليوم الأخير.
منذ المعمودية يُطعّم (greffé) جسدُ الإنسان ويُلقَّح، وأيضًا نفسُه، في جسد المسيح القائم من بين الأموات والممجَّد. بداعي هذا اللقاح في جسد المسيح يصير المسيحيّ عضواً في المسيح وهيكلاً للروح القدس.
الخلاصة هنا أنّ بقايا الإنسان في حالة رقاد الموت تبقى هيكلاً للروح القدس، ممّا يجعلنا نبخرّها، نرشّها بالماء المقدّس، ولا يُسمح بإحرقها أبداً.
لذا، وعلى كُلّ الأحوال، نحن نوقّر جسد الميت لكلّ إنسان مسيحيّ معمّد. جسده لم ينفصل أبداً بعد الموت عن الروح القدس. إعلان قداسة إنسان (أي تطويبه) يؤكّد لنا أنّه انتقل، وهو في حالة شوق وتوبة إلى الربّ. والمدفن (Rimitirion) هو بمثابة غرفة انتظار (dortoir) للأجساد النائمة التي تنتظر بسلام استيقاظ نور القيامة العامّة المجيد.
أيّها الأحبّاء، إنّ عقيدة تقديس الأجساد بالروح القدس، وبصورة عامّة تقديس الخليقة، الكون كلّه، قد ثبّتها القدّيس يوحنّا الدمشقيّ ويرعاها اليوم البطريرك المسكونيّ برتلماوس في تكريمه للخليقة كلّها وصلاته من أجل المحافظة على البيئة. هذه العقيدة أساس للسجود الإكراميّ لبقايا القدّيسين. وهي تطال عقيدة الأسرار المقدّسة كلّها. ليس فقط الخبز والخمر يتحوّلان في القدّاس الإلهيّ إلى جسد المسيح ودمه بل، وأيضًا، الزيت والماء في المعموديّة يتشرّبان نعمة الروح القدس المجدِّدة لحياة الإنسان.
عندما تنفصل النفس عن الجسد في حالة الموت النعمة الإلهية تفعل في كلّ منهما. إنّ السجود المتواتر لبقايا قدّيس معيّن يولّد في قلب الإنسان محبّة خاصّة لشخص القدّيس وفضائله. القضيّة ليست عاطفيّة، هي سجود تكريميّ للقدّيس بعد رقاده. من هنا أنّ الرفات المقدّسة تشكّل أيقونة وسرّاً مقدساً على غرار الصلاة أمام الأيقونة أو الإدّهان بالزيت المقدّس. السجود إيمانٌ ومحبّة تصدر عنه أحياناً رائحة عطرة على مثال ما يصدر عن السجود لبقايا القدّيس نيقولاوس في باري إيطاليا، أو القدّيس نكتاريوس في جزيرة آينا في اليونان.
بقايا القدّيسين توضع في الكنيسة على المائدة المقدّسة، لذا يحرص المؤمنون على أن لا يُبقوها في بيوتهم.
أفـرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 48، الأحد 27 تشرين الثّاني 2016