“توبوا فقد اقترب ملكوت السموات”
هذه الجملة تأتي في آخر إنجيل اليوم، أي بعد ظهور النور الثالوثيّ في الأردنّ. “الشعب الجالس في الظّلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور” (متى 4: 16).
مَن هو هذا الشعب؟! ألا يتوجّه الكلام هذا إلينا اليوم؟ نعم نحن جالسون في ظلمة هذا الدهر وأشرق علينا نور المسيح.
ماذا علينا أن نفعل؟ يقول لنا يسوع “توبوا” أي ارجعوا إليّ، حوّلوا قلوبكم، إليّ دَعُوا عنكُم اهتمامَكم المَرَضيّ بالأمور الدنيويّة. لا تلتصقوا بشهوات هذه الدنيا. تُوقُوا إلى التعزيات الحقيقيّة، إلى الفضائل الإلهيّة، لا تستسلموا للتعزيات الجسديّة المادّيّة بل تذوّقوا تعزيات روحيّة. “فقد اقترب ملكوت السموات”. الملكوت السماويّ ليس شيئاً ماديّاً هو “قوّة نعمة الله غير المخلوقة” كما يعبّر عنه أباؤنا القدّيسون. هو ثمار الروح القدس أعني المحبّة، الفرح، السلام، وما إليها، تلك التي تاتي من الربّ يسوع المسيح وحده. هذه كلّها يصفها الرسول بولس في رسالته إلى غلاطية بقوله: “ضدّ أمثال هذه ليس ناموس، ولكنّ الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غلاطية 5: 23-24).
وهذا يعني أنّ علينا أن نضبط شهواتنا المتنوّعة، كما يصفها الرسول يوحنّا بكلامه: “لا تحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم (أي العالم الفاسد)، لأنّ كلّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة” (1 يوحنا 2: 15-16). والجدير بالذكر هنا أنّ يوحنا يتوجّه إلى الأحداث، أي الّذين هم في عُمرِ الشّباب (1 يو 2: 14). هذا هو الدواء الشافي لأمراض العصر المميتة، أمراض النفوس والأجساد الّتي باتت تتآكلُ شبيبتَنا اليوم، أعني بها: الجنس، الإدمان على المسكرات والمخدّرات، وما إليها!!!
ينادي القدّيس يوحنّا السلّمي –وهو طبيبٌ نفسيٌّ بامتياز- قائلاً: “حَوِّلُوا هذه الشَّهَواتِ الضّارّة إلى شهواتٍ روحيّة منعشة”. هذا هو دور الكنيسة اليوم.
حبّذا لو يعرف الأطبّاء أنّ الأدوية الّتي تُعطى للمرضى النفسيّين، ولو كانت نافعةً بِقَدْر، إلّا أنّها لا تشفي، بينما الدواء الروحيّ الّذي يعطيه المسيح الإله عن طريق محبّة الله ومحبّة الإخوة والخدمة التّطوّعيّة المجانيّة، يستطيع أن يشفي؛ ذلك أنّ النعمة الإلهيّة هي التي تمنح الحياة الحقيقيّة والانتعاش الخلاصيّ .
+ أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 2، الأحد 11 كانون الثاني 2015