بطريرك القسطنطينينة
(١٠ نيسان)
ولدَ في ديميتسانا – أركاديا في البلوبونيز سنة ١٧٤٥ م. كانَ أبوه راعيًا. تتلمذَ أوَّلَ أمرِهِ لمِلاتيوس الراهبوأثناسيوس روزوبولس. في سنِّ العشرين، انتقلَ إلى أثينا حيثُ درسَ سنتَينِ على معلِّمٍ مشهورٍ هو ديمتريوسفوداس.
سنة ١٧٦٧م، انتقلَ إلى إزمير حيثُ عاشَ مع عمٍّ لهُ كانَ كاهنًا–راهبًا اسمُهُ ملاتيوس وتابعَ دراستَهُ في مدرسةٍ عاليةٍ فيها. ثمَّ تحوَّلَ إلى جزرِ ستروفادس حيثُ صارَ راهبًا ودُعِيَ غريغوريوس. من هناكَ انتقلَ إلىجزيرةِ باتموس، ودرسَ في مدرسةِ ديرِ القدِّيسِ يوحنَّا اللاهوتيّ.
أثناءَ ذلكَ خطرَ اسمُهُ على بالِ بروكوبيوس رئيسِ أساقفةِ إزمير، فدعاهُ إليهِ وسامَهُ شمَّاسًا فكاهنًا وعيَّنَهُ مديرَ مكتبهِ برتبةِ نائبٍ أوَّل بروتوسنكلوس. سنة (١٧٨٥م)، اختيرَ ميتروبوليتًا على إزمير خلَفًا لِبروكوبيوسالذي صارَ بطريركًا على القُسطنطينيَّة. فخدَمَ شعبَ إزمير حسنًا، بنى المدارسَ والكنائسَ ورممَ جملةً منالكنائسِ العتيقة. في الأوَّلِ من أيَّار سنة ١٧٩٧م، انتُخِبَ بطريركًا على القُسطنطينيَّة خلَفًا لجراسموسالثالث.
حمَلَ غريغوريوس معَهُ إلى البطريركيَّةِ نظامًا رهبانيًّا، الأمرُ الذي لم يرُقْ للعديدِ من الأساقفةِ ورؤساءِ الأساقفة. نشَطَ في ترميمِ الأبنيةِ البطريركيَّةِ والكنائسِ التي أصابَها الإهمال. أنشأَ صندوقًا للفقراء، وسعىلدى السلطاتِ لنيلِ الإعفاءِ من ضريبةِ الرؤوسِ على الكهنة. أعادَ إدخالَ المطبعةِ إلى البطريركيَّةِ لأغراضٍتربويَّةٍ بعدما كانتِ المطبعةُ الأُولى قد أُدخِلَتْ زمنَ كيرلّس لوكاريس سنة ١٦٢٨م، ولكنَّ اليسوعيِّين عمِلوابالتحريضِ والرشوةِ على ضربِها وإيقافِ العملِ بها.
ويُذكرُ أنَّ نهايةَ القرنِ الثامنَ عشر وبدايةَ القرنِ التاسعَ عشرَ شكَّلَتْ فترةً مضطربةً في تاريخِ الإمبراطوريَّةِ العثمانيَّة. فقَدْ غزا نابوليون بونبارت مصر، وثارَ علي باشا في يانِّينا والأبيروس وألبانيا، وتفشَّتْ ظاهرةُ العصاباتِ غيرِ المنضبطةِ التي كانتْ تجوبُ جبالَ البلوبونيز واندلعَتْ الثورةُ في رومانيا بقيادةِ ألكسندروس هيبسيلانتيس الجنرالِ في الجيشِ الروسيّ.
كانَ البطريركُ غريغوريوس مستاءً من أنشطةِ عصاباتِ البلوبونيز التي روَّعَتِ المسيحيِّين كما روَّعَتِ المسلمين، فأصدرَ بيانًا أدانَ فيه أنشِطتهم. ولمَّا كانَ نظامُ غريغوريوس الرهبانيُّ قد أزعجَ العديدَ من أحبارِ الكنيسةِ فقَدْ أخذوا موافقةَ السلطانِ العثمانيِّ على الإطاحةِ بهِ واستبدالِهِ بآخر. فنُفِيَ غريغوريوس إلى جبلِ آثوس وأقامَ في ديرِ إيفيرون.
عام ١٨٠٦ م، استقالَ خلفُهُ كالّينيكوس، وأُعيدَ انتخابُ غريغوريوس الذي عادَ كسابقِ عهدِهِ في أنشِطتِهِ التربويَّةِ وأعمالِ الرحمةِ والإحسان. ولكنَّ السياسةَ العثمانيَّةَ لعبتْ دورَها فقَدْ تمكَّنَ الوزيرُ مصطفى بيرقدار من العودةِ إلى السلطةِ وجعلَ على العرشِ محمودَ الثاني. هذا حدثَ سنة ١٨٠٨م، وتمكَّنَ كالينيكوس من العودةِ للسدَّةِ البطريركيَّةِ لأنَّهُ كانَ محبوبًا من الوزيرِ مصطفى بيرقدار، فنُفِيَ غريغوريوس إلى جزيرةِ برينكيبوس في بحر مرمرة. ولم يبقَ كالينيكوس سوى عشرةِ أشهرٍ ثمَّ استُبْدِلَ بإرميا الرابع. فلمَّا حدَثَ ما حدثَ أُعيدَ غريغوريوس إلى منفاهُ في جبلِ آثوس مرَّةً أُخرى.
في ١٩ كانون الثاني ١٨١٩م، اختيرَ غريغوريوس للسدَّةِ البطريركيَّةِ مرَّةً أُخرى بعدَ أنِ استقالَ سلفاهُ إرميا الرابع وكيرلّس السادس. ولمَّا اندلعَتْ الثورةُ اليونانيَّةُ في البلوبونيز في آذار ١٨٢١م، قرَّرتِ الحكومةُ العثمانيَّةُ ضربَ القيادةِ الكنسيَّةِ الأرثوذكسيَّةِ والعديدِ من العامَّةِ لتُرهِبَ من خلالِهم الشعبَ بأكملِهِ، فجرى إعدامُ العديدينَ في الشوارع. إلى ذلك، قرَّرتْ حكومةُ السلطانِ محمود الثاني إعدامَ البطريركِ غريغوريوس عِبرةً لسائرِ المؤمنينَ وابتغاءً لإجهاضِ الثورة. فانتظرَتِ السلطةُ إلى أنْ ينتهي البطريركُ من قدَّاسِ الفصحِ ويحلَّ النهارُ لتتحرَّك.
في ١٠ نيسان سنة ١٨٢١ م، بعدما ختَمَ البطريركُ القدَّاسَ، انتقلَ إلى قاعةِ الاستقبالِ البطريركيَّةِ لتقبُّل التهاني. ثمَّ انكفأ ليأخذَ قسطًا من الراحة. إذَّاك، اطَّلعَ على أنَّ الثورةَ اليونانيَّةَ قدِ اندلعتْ، ولماَّ سُؤل» : ماذا سيحدثُ الآن؟.« أجاب بهدوء: » الآنَ وفي كلِّ آنٍ لتكنْ مشيئةُ الله« .
حوالي الساعةِ العاشرةِ صباحًا، وصلَ ممثِّلونَ من الخارجيَّةِ في الحكومةِ العثمانيَّة. فظنَّ غريغوريوس أنَّهم قد أتوا للمعايدةِ منتدَبينَ من حكومةِ السلطان. وكانَ عددٌ من الأحبارِ حاضرًا. أُخبِرَ البطريركُ أنَّهُ عُزِلَ من منصبِهِ لأنَّه: «لا يستحقُّ الرتبةَ البطريركيَّةَ وهو جاحدٌ للكرامةِ التي أسبغَها عليهِ البابُ العالي وخائنٌ». ووَرَدَ في الفرمان أنَّ غريغوريوس يُنفى إلى مدينةِ خلقيدونيا. أُوقفَ غريغوريوس واستيقَ سجينًا برفقةِ رئيسِ شمامستِهِ نيكيفوروس والشمَّاس أغابيوس وابنِ أخيهِ ديمتريوس. وما لبِثَ البطريركُ ورؤساءُ الأساقفةِ أنْ أدركوا أنَّهم ليسوا برَسْمِ النفيِ بل سيُعدمونَ.
في السجن، تعرَّضَ البطريركُ للاستجوابِ والتعذيب. كانَ يهمُّ السلطاتِ أنْ تحصلَ منهُ على معلوماتٍ عن الثورةِ طنَّتْ أنَّها كانَتْ بحوزتِه. إلى ذلكَ عُرِضَ عليهِ الإسلامُ ليُخلِّصَ نفسَهُ، لكنَّ جوابَهُ كانَ ببساطة: »قوموا بواجبِكم، فبطريرك الرومِ يموتُ مسيحيًّا أرثوذكسيًّا.« أُخرِجَ غريغوريوس من السجنِ واستيقَ إلى البوَّابةِ البطريركيَّةِ حيثُ عُلِّقَ من البوَّابةِ الوسطى التي تفتحُ على أرضِ البطريركيَّة. أصرَّ السلطانُ على أنْ يُنتخَبَ بطريركٌ جديدٌ من بينِ الأحبارِ الحاضرينَ في القُسطنطينيَّة، فإختيرَ المتروبوليت إفجانيوس خلفًا للقدِّيسِ وأُدخِلَ إلى البطريركيَّةِ في موكبٍ جمَعَ الأحبارَ إلى الرسميِّينَ العثمانيِّين. لكنَّ البطريركَ الجديدَ أُجبِرَ على أنْ يُطأطِئ رأسَهُ وينحني ويدخلَ من البوَّابةِ نفسِها التي عُلِّقَ عليها غريغوريوس بقِيَ جسدُ البطريرك مُعلَّقًا لمُدَّةِ ثلاثةِ أيَّام. ثمَّ أَنْزَلَهُ يهودٌ جنَّدَهم العثمانيُّونَ لهذا الغرض. وأخذوهُ وجرَّرُوهُ في الشوارعِ ثمَّ رمَوهُ في البحر. غيرَ أنَّ سفينةً يونانيَّةُ تحمِلُ العَلَمَ الروسيَّ التقطَتْ جسدَهُ وأخذتْهُ إلى أوديسا الروسيَّةِ حيثُ ووريَ الثرى كشهيدٍ وبطل. في العامِ نفسِه ١٨٢١ م، أَعلَنَتِ الكنيسةُ اليونانيَّةُ الأرثوذكسيَّةُ قداستَهُ وقدْ جرَتْ استعادةُ رُفاتِهِ إلى اليونان حيثُ دُفِنَ داخلَ كاتدرائيَّةِ بشارةِ السيّدةِ في أثينا.تُعيِّدُ له الكنيسةُ المقدَّسةُ في ١٠ نيسان.
البوابة حيث شُنِقَ القدِّيس غريغوريوس، موصدةٌ من ذلك الحين إكرامًا للقدِّيس، لا تُفتحُ أبدًا.
المصدر: دير رقاد والدة الإله – حمَطوره