مملكة الثالوث:
القداس الإلهي هو سر حضور المسيح، و بالتالي فهو كشف للمملكة المباركة “مملكة الآب و الابن و الروح القدس” لأن حضور المسيح هو نفسه ملكوت الله، إن هذا الحضور يحول الأرض إلى سماء.
المكان الذي يلتئم فيه المؤمنون ليشكروا الرب هو “مقر ملائكته، مقر رؤساء الملائكة، ملكوت الله، السماء نفسها”.
إن هدف مسيرة حياتنا هو الملكوت، فنحن نبارك الله أي أننا نعلن أنه هو هدفنا، مقصد حياتنا و غاية الخليقة بأسرها.
يقول الكاهن هذا الإعلان و هو يرسم بالإنجيل إشارة الصليب، العمل الأول الذي يقوم به الكاهن هو الصليب، فالقداس الإلهي هو ملكوت الله الذي يقود إليه الصليب الذي عٌلق عليه ملك المجد.
الصليب هو البرهان أن المسيح هو وحده الملك الحقيقي، إنه بالصليب فتح لنا الملكوت.
الشعب يقول “آمين” دلالة على قبولهم الحقيقة الموجودة في إعلان الكاهن و يعبرون عن توقهم إلى تذوق الملكوت، “آمين” بالعبرية تعني حقا”.
الطلبة السلامية الكبرى:
و هي أطول طلبة في القداس الإلهي.
” بسلام إلى الرب نطلب”، بالخطيئة دخل الإنسان في حيز الاضطراب و التجزؤ و الخطيئة، و أما المسيح فقد أعاد الإنسان إلى الوحدة.
أول ما نطلب من الله هو السلام، و ليس السلام هنا هو السلام الذي يصنعه البشر بنزواتهم و لكن السلام الذي من العلى، لأن المسيح أتانا من العلى لكي يبعث فينا السلام الحقيقي الذي يعيد الطمأنينة في النفس المضطربة، السلام الذي يقبل كل نفس تائبة و عائدة.
“سلام كل العالم”
نطلب من الله أن يكون العالم في سلام دائم و ثابت و هذا يتحقق بالسلام العلوي، و هذا كله لتكون الكنيسة في ثبات أمام تجارب الشرير الذي يود الانشقاق للكنيسة، و أما اتحاد الجميع فهذا ناتج عن رباط الروح، رباط السلام، و بحسب القديس بولس الرسول:”يا أخوة اجتهدوا أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام”، أي أن نرتبط مع بعضنا البعض في رباط المحبة، رباط المسيح المخلص و هكذا نستعد جميعاً للمناولة و هكذا أيضا نعيش السلام الداخلي مع أنفسنا و السلام الخارجي مع الله والآخرين و نكون بذلك قد أصبحنا آنية مستحقة لقبول المسيح في داخلنا.
” من أجل هذا البيت….”.
عندما يدخل المرء إلى الكنيسة فإنه يدخل السماء في حضرة الله، و هناك على المؤمن أن يتصل مع الله بإيمان وورع لأن الخدمة هنا هي خدمة الله العلي خالقنا و مخلصنا.
† “من أجل أبينا و رئيس كهنتنا….”.
كان القداس الإلهي يبدأ في الفترة الأولى من العصر البيزنطي بالدورة الصغرى كما نعرفها اليوم في القداس، فكانت أول حركة ليتورجية هي دخول الأسقف إلى الكنيسة و يتبعها ارتداؤه الحلة الكهنوتية في وسط الكنيسة كما يحصل مرات كثيرة اليوم و قبل البدء بالقداس الإلهي. عملية لبس الأسقف حلته تصور حدث تجسد الكلمة و الأسقف يمثل المسيح أو هو أيقونة السيد الحية.
† ” من أجل هذه المدينة….”
نطلب من أجل المدينة التي نعيش فيها (المكان) و كل مكان في العالم. يقول القديس مكسيموس المعترف: ” المحبة الكاملة تجود على كل البشر بالتساوي”. وهكذا نصلي من أجل المكان الذي نعيش فيه و كل العالم.
† ” من أجل اعتدال الهواء .. و خصب الأرض بالثمار، و من أجل المرضى و المتألمين و الأسرى و المسافرين …”.
نلاحظ تفكير الكنيسة هنا بكل شخص بمفرده أينما وجد و في أي حال كان، ترغب الكنيسة بالتوجه إلى كل واحد على حدا و تصلي من أجله و من أجل أن يوفر الله له كل وسائل الحياة المرضية و الهانئة.
† ” من أجل نجاتنا من كل ضيق و غضب ..
نطلب من الله أن يحمينا من جميع مخاطر الشر و تجاربه(الخطيئة و اللذة البشرية يلازمها الألم)، لقد سمح الله أن يُجرِب الإنسان الألم كي يشفى من جرح الخطيئة، ليس الألم عقابا بل دواءاً يناسب حالة الخطيئة التي يعيشها الإنسان إذ كانت حالته ناتجة عن الخطيئة.
نسير بالضيقات نحو ملكوت الله “لأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخله” و لكن كل تأديب في الحاضر لا يبدو أنه للفرح بل للحزن غير أنه يعطي في النهاية الذين يتروضون فيه ثمر برّ “للسلام”.
† يجيب الشعب على كل هذه الطلبات ” يا رب ارحم ” هذا الجواب البسيط يحمل كل اللاهوت و كل الفكر المسيحي، ” ارحم ” من الفعل رحم و هذا الفعل بالعبرية يعني رحمة و صلاح و رأفة و خير أي أننا نطلب من الله أن يسبغ علينا كل مراحمه.
† بعد ذكرنا الكلية القداسة …….لنودع أنفسنا……..
أي أننا نطلب معونة والدة الإله و جميع القديسين لكي نستطيع أن نودع حياتنا و ذواتنا للرب، و كما نذرت العذراء ذاتها هكذا لنتمثل نحن بها واضعين ذواتنا كعبيد للرب ” ها أنذا أمة الرب” و هنا تعليم فريد أن نودع بعضنا بعضا، كل إنسان مؤمن مسئول عن الآخر لأنه علينا أن نطلب الخير للآخرين كما لأنفسنا بحسب ما تعلمناه من المسيح.
† بعد ذلك يتلو الكاهن أفشين ينهيه بإعلان ثالوثي ” لأنه ينبغي لك كل تمجيد و إكرام و سجود أيها الآب و الابن و الروح القدس”..
” المصلين معنا” المجتمعون في الكنيسة هم الذين قبوا الدعوة الإلهية للعشاء، حضروا لكي يشتركوا في الحضور و المشاركة الإلهية الثالوثية في هذه الخدمة و هنا تأتي كلمة ” آمين ” لتؤكد أن الشعب يسعى و يستعد ليكون كل فرد فيه بيتا مقدسا لله.
المتروبوليت بولس يازجي
المصدر: www.orthodoxonline.org