كثر يدّعون أنهم يملكون معرفة الحق، والبعض يطالب به. هناك من يقول أنه يقضي بالحق، وآخرون يبحثون بجديّة عنه. وغيرهم من يزيّفون الحق عن عمد، وآخرون وقعوا ضحية ما تصوروا أنه هو الحق.
قَال يسوع لتوما: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ والحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلَّا بي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ» (يوحنا ١٤: ٦، ٧). المسيح هو الحق، الآب هو الحق (يوحنا ٧: ٢٨)، والروح القدس هو الحق (يوحنا ١٥: ٢٦). الحق هو الله، ومن أراد أن يعرف الحق عليه أن يعرف الله معرفة حقيقيّة كما يكشفها لنا المسيح بدون تشويه أو تغيير أو إنحراف. فهم آباء الكنيسة الأطهار أن الحقيقة ليست نظريّات لاهوتيّة مجرّدة، وإنما إيمان حيّ معاش، شهادة لا تعرف المسايرة ولا المجاملة. حملوا الأنجيل ولم يتبعوا «خرافات مصنّعة» (٢بطرس ١: ١٦-١٨). قالوا الحق بجرأة وصبر وجهاد، وساعة اشتداد الضيق عليهم، لم يبخلوا بدمائهم. شهادتهم ثابتة ودائمة، وتحت أيّ ظروف.
ليس العار أن تقي نفسك من الوقوع في الخطر. نرى يسوع يهرب من الخطر بعد اعتقال يوحنا المعمدان ويلجأ إلى الجليل (متى ٤: ١٢). العار هو عدم الوقوف بشجاعة عندما نقع في الخطر، لذا نراه يقف بجرأة أمام بيلاطس قائلًا له:»لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي» (يوحنا ١٨: ٣٧، ٣٨). أتى يسوع إلى العالم للشهادة للحق، ومملكته لا تتحقّق بالتمرد أوالعنف أو قوة السلاح.
يعلّمنا التاريخ أن الممالك التي تقام على قوة السلاح والمراوغة، هشة وتنهار عاجلاً أم آجلاً. أما مملكة الله، فتقوم على المحبة وتتجذر في القلوب، مانحة مَن يقبلها السلام والحرية وملء الحياة. تاليًا، وجب علينا أن نجعل محبّة الله متجذّرة في قلوبنا لبلوغ السلام والحرية وملء الحياة التي نرغب فيها جميعنا.
السلطة مغرية تسخّر الأمّة لمنافعها. السلطة الفارغة لا تتوانى عن خلق أشباح لتوهم نفسها أنها قويّة. من طغى الشيطان عقله، يحوّل نفسه إلى ما ليس فيه، يكذب ليشوّه الآخرين، ويبطل الشورى فتبطل المحبّة. وحدهم الروحيّون يعرفون أن الشيطان يغيّر هيئته إلى ملاك نور (٢كورنثوس ١١: ١٤)، يميّزون بين الحقيقة والخدعة، ويواجهون الشر حافظين حق الأنجيل.
أراد الفرّيسيّون أن يصطادوا يسوع بكلمة، «فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» (متى ٢٢: ١٥-١٦). علم يسوع خبثهم، و«قَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ» (متى ٢٢: ٢١). قيصر يُرى في ذهبه ونقده، أمّا الله فيُعرف في البشر. فعلى الرغم من أعطائنا مالنا لقيصر، وجب علينا أن نحفظ لله كامل براءة ضميرنا.
المؤمن لا همّ له إلّا أن تذاع الحقيقة. لذلك، كان لا بد من التأكّد أن ما يعرض عليه حق. ثمة من يحجز الحق بالإثم، من زعموا أنّهم حكماء «فاسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ… لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ» (رومية ١: ٢٥، ٢٨). يسكن
الحق في القلب الطاهر. لا تتوقّع أن الحق سيلازمك إذا ما دنّست نفسك . الدنس والفساد يمسّان كياننا الداخلي ويشوّهانه.
أنت مدعو للشهادة للحق الذى تؤمن به، وقضيّتك دعوة الآخرين إليه. أنت مدعو لشهادة الصدق وعدم الكذب فى كل شيء. تشهد للحق في يوميّاتك بغير مواربة ولا عثرة ولا إدانة. تحافظ على الإيمان المستقيم حتى الموت، بعيدًا عن البدع والانحرافات الإيمانية، بثقة أكيدة فى محبة الله ومعونته. التحدي يا صديقي أن تترجم الرّب فيك حضورًا. متى صار الله فيك حياة، تصبح الشهادة للحق حياتك.
Raiati Archives