بعد حادثة تكثير الخبز والسمك وقول يسوع: “من أراد أن يتبعني…” ببضعة أيام، يأخذ يسوع معه بطرس ويعقوب ويوحنا ويصعد على الجبل ليصلي. فيما كان يصلي، تغيرت هيئة وجهه وصارت ثيابه شديدة البياض… ثم يظهر موسى وإيليا ويتبادلان الكلام معه (عن ذهابه (موته) الذي كان سيتم في أورشليم). التلاميذ يسيطر عليهم نعاس قوي قوي. لكنهم يستفيقون ويرون مجد يسوع والرجلين الواقفين معه. يقول بطرس ليسوع: “يا رب، حسن أن نكون هنا، لننصب ثلاث خيم: واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا”. وبينما كان يقول ذلك، تحل سحابة (منيرة) وتغطيهم. ويُسمع صوت من السحابة يدوِّي ويقول: “هذا ابني، الذي اخترته، إسمعوه”. يسقط التلاميذ من الرعب ووجوههم إلى الأرض. يختفي موسى وإيليا ويُنهض يسوع التلاميذ المرعوبين… وفي اليوم التالي ينزلون من الجبل…
في واقعة التجلي، لم تتم نقلة أو تحول من نوع ما في يسوع من شيء بشري إلى شيء الهي. كما لم يك من معجزة. التجلي هو كشفُ جمالِ المخلوق الصوفي (من صوفيا (اليونانية): حِكمة)، الجمالِ الأول الذي لم يشوهْهُ الشر، الجمالِ الذي تصوَّره الإله عندما صنع المخلوق… آدم الجديد، يسوع، دلَّنا كيف كان يمكن لآدم القديم أن يكون قبل أن يعرف الشر والخير والموت… بدرجات مختلفة وإلى حد معين، ثمة رجال كموسى عرفوا هذا المجد قبل التجسد الإلهي، وثمة من عرفوه عدة مرات بعد التجسد كسمعان الجديد وسارافيم ساروف… وعندما تعود الحياة طبيعية ومطابقة لحكمة الله، عندما تستعيد الخليقة كرامة ما قبل السقوط، في يوم الرب، لن يكون إلا هذا المجد (النوراني)… واقع المسيح الصوفي-الحِكَمِي الواضح، حيث المخلوق وغير المخلوق يلتقيان (في شخص الابن)، هو واقع الحالة الكاملة للإنسان المستنير بالله الذي يتعاطى مع الله ويتحدث معه. هذا تحديداً حالة القداسة التي التجلي عيدها. في التجلي، يستيقظ النوس-الذهن من النعاس (الروحي) ويرى مجد يسوع… مفاعيل هذه اليقظة هي: توقف الفاصل بين عالم الموتى وعالم الأحياء (موسى وإيليا والتلاميذ). الشعور بالانتعاش (“حسَن أن نكون ههنا”) رغم وحشة المكان. سماع صوت الآب. رعبُ اللقاء (الخلابُ) بالصوت والركوع والوجه صوب الأرض (يسوع و-ربما- يوحنا وحدهما سمعا صوت الآب وقوفاً خلال العماد)… لوحة التجلي لوحة ليتورجية بامتياز. المسيح في الوسط يحيط به قديسو الماضي والحاضر. الليتورجيا هي شركة القديسين الذين يشتركون في مجده الصوفي؛ المجد يغزوهم من داخل إلى خارج، من كل جهة: من العين والأذن والجلد…: هكذا يصير القداس في السماء… إذا جاز التعبير، التجلي حالة جبلية. المسيحي كائن جبلي: عندما يصلي واقفاً ينتصب كجبل وقاعداً يقعد كجبل… هو جبل وفوق الجبل وفي الجبل… ثابت ثبوت الجبل… كجبل (روحي)، إنَّ قاعدته قوية، وعند القمّة (الذهن) يتجلى الرب بنوره الأقوى من الشمس… في هذا اليوم المبارك، جبالاً من نور إجعلْ عبيدَكَ، يا رب!… كل عام وأنتم بخير
الأب يوحنا (اللاطي)، دمشق، 2012