أخيرًا انعقد المجمع الّذي كان ينبغي أن يكون مجمعًا مسكونيًّا للكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة، لكنّ الخجل من الإعتراف بالأرثوذكسيّة أنّها الكنيسة الجامعة وأنّها تحمل ملء الإيمان الجامع، دفعهم ليطلقوا عليه صفة الكبير فقط.
لكنّ هذا الكبير انعقد صغيرًا، وكان الأجدى ألا ينعقد، لأسباب عديدة. فعدم أمانته لروح وتعليم المجامع المسكونيّة التي انعقدت في تاريخ الكنيسة الطويل كان ظاهرًا. أوّل الأسباب هو تهميشه دور الأسقف، حين رفض دعوة كلّ الأساقفة الأرثوذكسيّين إلى المجمع؛ وعدم إعطاء كلّ واحد من الذين دُعُوا حقّ التصويت، لحساب نوع من بابويّة جديدة للبطاركة الأرثوذكس. لكنّ الخطر الأكبر لهذا المجمع يكمن في سعيه لإرساء قواعد أكليسيولوجيّة جديدة تُفتّت وحدة الكنيسة القائمة على وحدة الإيمان. في الأرثوذكسيّة، كل من يُخالف تعليم الكنيسة الواحدة وإيمانها الواحد يُصبح خارج الكنيسة وليس كنيسة. في أكليسيولوجيّة هذا المجمع الجديدة يتمّ الإعتراف بكنائس وبأسرار خارج الكنيسة الأرثوذكسيّة؛ لا يتكلّم هذا المجمع على هراطقة ومنشقّين وخارجين على الإيمان والكنيسة؛ هناك فقط تغاضٍ عن “العقائد الصغيرة”، كما يسمّونها.
كلّ المجامع السابقة عبر التاريخ، التي قبلتها الكنيسة في وجدانها الحيّ، المسكونيّة والمحلّيّة،كان همّها حفظ وحدة الكنيسة من خلال حفظ وحدة الإيمان الأرثوذكسيّ وتسمية الهرطقات وتبيان ضلالاتها. آباء الكنيسة، بدون استثناء، رفضوا رفضًا قاطعًا تسمية الخارجين على الإيمان الواحد كنيسة. يبدو ظاهرًا أنّ هذا المجمع يقطع تلك الاِستمراريّة في حفظ الإيمان الأرثوذكسيّ الواحد والمقدّس، التي جاهد في حفظها آباء الكنيسة العظماء، من القدّيس اغناطيوس الأنطاكيّ مرورًا بإيريناوسالليونيّوالكبادوكيّينومكسيموس المعترف وفوتيوس العظيم وغريغوريوس بالاماس ومرقسالأفسسيّ. لقد كان واضحًا أنّ هذا المجمع، المسمّى الكبير، لا يطلب هذه الاِستمراريّة في حفظ الإيمان الأرثوذكسيّ الواحد والمقدّس، بل مسايرة روح العالم. إنّ رفض الاعتراف بالمجامع السابقة (879-880 على زمن فوتيوس الكبير ومجمع 1351 على زمن العظيم غريغوريوس بالاماس)، التي أخذت مكانة مجامع مسكونيّة في ضمير الشعب الأرثوذكسيّ المؤمن في كل مكان، يُثبت هذا الأمر.
كنائس أرثوذكسيّة عديدة لم تشترك، من بينها أنطاكية. أنطاكية لم تشترك لكنّ أسبابها، إضافة إلى مشكلة قطر التي كان ينبغي أن تُحلّ قبل انعقاد المجمع، لم تكن لاهوتيّة-عقائديّة إنّما بالأكثر رعويّة. من المؤسف أنّه، ومن عقود عديدة وحتّى اليوم، أمور العقيدة والإيمان لا تُبحث في مجامع أنطاكية المقدّسة، وهذا أمر خطير.
نحن اليوم في زمن العولمة الدهريّة والحوارات المسكونيّة الفاسدة المدمّرتَين لكلّ الحقائق الإلهيّة التي سلّمنا إيّاها الربّ يسوع المسيح. العولمة ووليدتها البكر الحركة المسكونيّة، تهمّشان العقيدة وتقتلان في نفوس الأرثوذكسيّين هذا الحسّ المقدّس بالإيمان الواحد الّذي تسلّموه. هكذا يمزج إبليس الحقّ مع الضلال، المسيح مع بليعال.
الأساقفة، في الأرثوذكسيّة، أوّلاً وقبل أيّ همّ رعويّ آخر، هم حرّاس الإيمان الأرثوذكسيّ المقدّس. إنّ مجمعهم يكون مقدّسًا فقط إذا عرف كيف يحفظ نقاوة الإيمان الأرثوذكسيّ. كان إقرارًا جريئًا ومباركًا ما عبّرت عنه مجامع بعض الكنائس الأرثوذكسيّة، في مناقشتها قرار الإشتراك أو عدمه في هذا المجمع، كإقرار الكنيسة البلغاريّة: “خارج الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدّسة لا يوجد كنائس أخرى، يوجد فقط هرطقات وانشقاقات. وأن نسمّي هؤلاء “كنائس” هو خطأ كلّيّ، لاهوتيًّا، عقائديًا وقانونيًّا”.
الأرشمندريت غريغوريوس إسطفان
رئيس دير سيدة بكفتين