المزمور الثالث هو واحد من المزامير المخصّصة، بشكل محدّد، لأوقات معيّنة من اليوم. في هذه الحالة، مباشرة بعد النهوض من النوم. في الكنيسة الأرثوذكسيّة، نصلّي هذا المزمور، ليس فقط في صلاة غروب يوم السبت، ولكن أيضًا في مطلع الدور اليوميّ ضمن ما يُعرَف بـِ«المزامير الستّة»، أي تلك التي نصلّيها كلّ صباح في بدء صلاة السَحَر اليوميّة. إنّ فعل هذا المزمور في حياتنا المعاصرة، بخاصّة المحنة الحاضرة ، يتجلّى في حضّ المؤمن والجماعة على الصمود في وجه التحدّيات المعيشيّة والمخاوف المصيريّة، عبر توفير العتاد المناسب لمعركة التصدّي.
هكذا، عبر هذه التقاليد الليتورجيّة القديمة، يبدأ المؤمن دور الصلاة اليوميّ بإعلانه: «أنا رقدتُ ونمتُ، ثمَّ قمتُ لأنَّ الربَّ يَنْصُرُني».
إن فِعْلَ النُّهوض من النوم مفعمٌ بالأهمّيّة بالنسبة إلى المؤمن بالمسيح! النوم بحدّ ذاته (من بين أمور أخرى) هو رمزٌ للموت، والنُّهوض من النوم، بحمد الله، هو نوعٌ من التذوّق المسبق لهذا النُّهوض الأخير والنهائيّ الذي يدعم رجاءنا: «استيقظ أيّها النائم وقمْ من الأموات يُضئ لكَ المسيح» (أفسس ٥: ١٤).
وما الخطأ في النوم؟ هو، بكلّ بساطة يجعل الصلاة مستحيلة، لكونه العائق الوحيد الذي بالعادة لا يمكن التغلّب عليه في إطار ممارسة «الصلاة المستمرّة». كان النوم مزعجًا بعض الشيء في كثير من الأحيان، كنوع من الإحراج، بالنسبة إلى أولئك الذين يأخذون الوصيّة الكتابيّة على محمل الجدّ: «صلّوا بلا انقطاع» (١ تسالونيكي ٥: ١٧).
لكون المزمور يتردّد يوميًّا على شفاه المؤمنين، في الصلاة الفرديّة والجماعيّة، فهو يمدّنا بسلاح الرجاء في مواجهة أهوال معارك اليأس. عبر مواجهته مع «النوم» (حاجات الجسد) في مطلعه، هو يمدّ جماعة المؤمنين المحَارَبين «بالاهتمامات الدنيويّة» (فقدان المواد التموينيّة والطبّيّة وما إلى ذلك)، بسلاح حكمة الربّ يسوع: «لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون» (متّى ٦: ٢٥).
من البديهيّ أنّه لا بدّ لنا من النوم! هو دَينٌ ندين به لطبيعتنا. ومع ذلك، مثل سائر الديون الأخرى، يمكن أن يكون هناك شيء مرهق حيال الأمر. ويبدو أن عددًا من القدّيسين شعروا بنوع من الاستياء تجاه النوم، وهو النفور الناتج من قلّة الصبر الذي قد يشعر به أيّ شخص تجاه أيّ دائن لجوج آخر! هذا الغيظ الذي شعروا به تجاه التزامهم بالنوم، يفسّر بلا شكّ السبب في أن بعض القدّيسين كانوا يبخلون به! شحيح كان تعاطيهم مع النوم، ولم يسدّدوا له سوى الحدّ الأدنى الذي يكفي لتسوية دين ما غير مريح… هكذا تتعلّم الجماعة المصلّية كيفيّة التعاطي مع لجاجة الاحتياجات المعيشيّة بعدم صرف التركيز عن الحاجة الرئيسة «لأنّ الحاجة إلى واحد… النصيب الصالح الذي لن ينزع منها» (لوقا ١٠: ٤٢).
هكذا نبدأ نهارنا. المزمور ١ كان قد قابل بالفعل بين الصدّيقين والخطأة، وأشار المزمور ٢ إلى المعركة بين الجانبين. الآن، في هذا المزمور الثالث، يهتف الرجل الصدّيق المنخرط في المعركة: «يا ربُّ، لماذا كثُر الذين يحزنونني؟ كثيرون قاموا عليَّ. كثيرون يقولون لنفسي: لا خلاص له بإلهه».
لدينا صراع حقيقيّ هنا، كما لدينا الضيق الذي يجلبه القتال. لأنّ خوض المعارك هو واحد من الأفكار الرئيسة لكتاب المزامير. هذا ليس كتابًا للصلاة لغير المجاهدين، وما لم يكن الإنسان شخصًا متورّطًا فعليًّا في الأعمال الجهاديّة الحربيّة، فمن الصعب أن نرى كيف يمكنه أن يصلّي المزمور ٣: «قمّ، يا ربّ، خلّصني، يا إلهي، لأنّك ضربتَ كلَّ مَنْ يُعاديني بلا سبب، أسنَانَ الخطأةِ سَحَقتَ».
تتعلّق «الحرب الروحيّة» هذه بالمواضيع التي تمّ افتتاحها بالفعل في المزمورين السابقين – حكمة الله ضدّ الشرّ في المزمور ١، والمسيح ضدّ التمرّد الوقح على الله في المزمور ٢. يخبرنا الأوّل أنّ معركة سفر المزامير هي أخلاقيّة؛ والثاني يخبرنا أنّها لاهوتيّة. وهكذا، فإنّ المعارك العديدة الموصوفة في المزامير هي معارك التزام بالروح، وصراع في القلب، ومصارعة للعقل.
من أجل ممارسة صلاة المزامير بشكل صحيح، من المهمّ جدًّا أن نحدّد الأعداء بشكل صحيح. لأنّ الأعداء هنا، الأعداء الحقيقيّون، هم أعداء الروح، تلك القوى المعادية التي تحدّث عنها في الآية الأولى من كتاب المزامير – الذين يشكّلون «مشورة الأشرار». لأنّ «مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحيّة في السماويّات» (أفسس ٦: ١٢). هذه هي المعركة الحقيقيّة التي يُستدعى خلالها المسيحيّ من فراش النوم الى القتال. المزامير هي صلوات أولئك الذين يشاركون في صراع روحيّ مستمرّ. الذين يرون أنفسهم منخرطين في معسكر الجماعة المجاهدة معًا والمتعاضدة في المحن.
وما هي مواردنا في أوقات المحَنْ؟ ما مصدر الرجاء والعَضَد: «أمّا أنت، يا ربّ، فناصري، ومجدي، ورافعُ رأسي. بصوتي إلى الربّ صرختُ، فاستجاب لي من جبلِ قدسِهِ… فلا أخاف من ربوات الشعوب المحيطين بي من حولي… للربّ الخلاص، وعلى شعبك بركتُكَ».