يطلّ إنجيل شفاء البرص العشرة علينا بحلّة تكشف لنا واقعنا الروحيّ بشكل مميّز. فقد كان البرص مرضًا يعزل حامله عن محيطه التقليديّ، ويحرمه من صلة طبيعيّة مع عموم الناس. عشرة منهم «وقفوا من بعيد» وطلبوا إلى يسوع «أن يرحمهم»، فما وجدوا منه إلّا كلّ قبول وإصغاء وعطاء وشفاء، إذ طهروا جميعًا فيما هم ذاهبون «ليروا أنفسهم للكهنة»، كما طلب إليهم يسوع أن يفعلوا (لوقا ١٧: ١٣-١٤). واحد فقط عاد أدراجه وهو «يمجّد الله بصوت عظيم»، ثمّ «خرّ على وجهه عند رجلَيه شاكرًا له». هذا كان الأبرص الوحيد الغريب عن أمّة اليهود، فقد كان سامريًّا. الأمر أثار تعجّب يسوع وتساؤله المحقّ: «أَلَـمْ يوجد مَن يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟» (لوقا ١٧: ١٥-١٧).
سؤال الربّ هذا يضعنا نحن على المحكّ حول موقع الشكر في حياتنا وممارستنا إيّاه ونوعيّته. فالشكر يحصّننا إزاء الانتفاخ والغرور والجحود، ويهبنا مناعة بإزاء الإحباط واليأس، ويضعنا في سياق مقاومة إيجابيّة لكلّ ما يعصف في حياتنا من حلاوة ومرارة. ثمرة هذا الشكر هو شفاه معترفة باسم الله ومسبّحة إيّاه، كما وجدنا في مثال هذا السامريّ الشكور.
الشكر هو حصن يبعد عنّا أفكار الانتفاخ بشأن الصلاح والخير الذي يحصل معنا. فالشكر، من جهة، يساعدنا على أن ننتبّه أكثر إلى الصلاح والخير الكامن في الأحداث التي نعيشها. ومن جهة أخرى، يعلّمنا أن نتّضع أمام أصحاب الفضل، فنقرّ بفضل الله وبفضل الآخرين علينا، الأمر الذي يقينا من الظنّ أنّنا أهل لمثل هذا الخير.
والشكر يكسبنا مناعة تجاه أمواج الانكسار الداخليّ والإحباط واليأس التي تتقاذفنا. فكثيرة هي الشجون التي نواجهها، كلّ بحسب موقعه ودرجة مسؤوليّته وخبرته ودرجة إيمانه، الأمر الذي يضعنا في مواجهة مباشرة مع ضعفاتنا وضعفات الآخرين، ومع أوجه حياتنا، سواء الفرديّة أو العامّة، غير المثاليّة. الإبحار في مثل هذا الواقع يحتاج إلى قوّة الشكر لتجاوز أنواع الأمواج التي ذكرناها والتي تضرب مركبة نفوسنا من كلّ حدب وصوب.
وأخيرًا، الشكر بمعرفة وتواضع وامتنان لله وللقريب ينشئ جماعة متّحدة بعُرى لا تنفصل. فلو عاد العشرة معًا إلى المسيح لكانوا شكّلوا كنيسة حيّة. رغم هذا الواقع، فإنّ عودة هذا السامريّ كانت كافية لأن يكون رسولًا ليسوع، لكي يرسله إلينا محمّلًا بالخلاص الذي منحه إيّاه. أَوَليس هذا ما أمره به: «قمْ وامضِ. إيمانك خلّصك» (لوقا ١٧: ١٩)؟
هل نحن مخطئون إلى المسيح وإلى كثيرين، وتاليًا إلى أنفسنا، لأنّ الشكر غائب عن حياتنا؟ أو لأنّ الشكر عابر وسطحيّ ولا يشكلّ قاعدة ثابتة، يوميّة ومستمرّة؟ أو لأنّنا نعيش في بطر أو تخمة أو استهلاك بسبب قدرة لدينا على اقتناء ما نريد؟ أو فقدناه لأنّنا لا نقتني أو لا نستطيع أن نقتني ما نشتهيه أو نحتاج إليه؟ فإن حصل وانطبق علينا شيء من هذا القبيل، وجدنا الدواء في هذا الإنجيل على صعيد شخصيّ، ووجدناه في ممارسة الكنيسة لسرّ الشكر على صعيد الجماعة ككلّ. ألعلّ الظروف الحاليّة تدفع
البرص التسعة إلى العودة إلى المسيح، وإلى شكره على ما سبق من خيرات وعلى عنايته بهم اليوم؟ هل الجماعة جاهزة لتصلّي من أجل أن تربح هذا الرهان فتربح تاليًا إخوة وأحبّاء ابتعدوا ولا يجدون طريق العودة؟ ما أحلانا وما أقوانا إن اجتمعنا، نحن البرص العشرة، لشكر المسيح! نصير حصنًا منيعًا، كنيسة حيّة وفرحة وشاكرة وشاهدة للربّ!
سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: كولوسي ٣: ٤-١١
يا إخوة، متى ظهر المسيح الذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تظهرون حينئذ معه في المجد، فأَميتوا أعضاءكم التي على الأرض، الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة والطمع الذي هو عبادة وثن، لأنّه لأجل هذه يأتي غضبُ الله على أبناء العصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلكتم حينًا إذ كنتم عائشين فيها. أمّا الآن فأنتم أيضًا اطرحوا الكلّ، الغضب والسخط والخُبث والتجديف والكلام القبيح من أفواهكم ولا يكذب بعضكم بعضًا، بل اخلعوا الإنسان العتيق مع أعماله والبسوا الإنسان الجديد الذي يتجدّد للمعرفة على صورة خالقه، حيث ليس يونانيّ ولا يهوديّ ولا ختان ولا قلف ولا بربريّ ولا إسكيثيّ، لا عبد ولا حرّ، بل المسيح هو كلّ شيء وفي الجميع.
الإنجيل: لوقا ١٧: ١٢-١٩
في ذلك الزمان فيما يسوع داخلٌ إلى قرية استقبله عشرة رجال بُرص، ووقفوا من بعيد ورفعوا أصواتهم قائلين: يا يسوع المعلّم ارحمنا. فلمّا رآهم قال لهم: امضوا وأَروا الكهنة أنفسكم. وفيما هم منطلقون طَهُروا. وإنّ واحدًا منهم لمّا رأى أنّه قد برئ، رجع يمجّد الله بصوت عظيم، وخرّ على وجهه عند قدميه شاكرًا له، وكان سامريًّا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طَهُروا فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجع ليُمجّد الله إلّا هذا الأجنبيّ؟ وقال له: قمْ وامضِ، إيمانك قد خلّصك.