...

الحياة الجديدة

لعيد الظهور الإلهيّ، الذي نحتفل به ، وجهان. الأوّل تاريخيّ، فيه نحيي اعتماد يسوع على يد يوحنّا في نهر الأردنّ، وما رافقه من أحداث. هذه الحادثة التاريخيّة، تذكرها الأناجيل الأربعة (متّى ٣: ١٣-١٧؛ مرقس ١: ٩-١١؛ لوقا ٣: ٢١-٢٢؛ يوحنّا ١: ٢٩-٣٤). والثاني هو العمل التقديسيّ، تقديس الماء ونضح المؤمنين وتقديس المنازل بهذا الماء المقدّس.

تؤكّد الأناجيل أنّ يسوع الناصريّ جاء مع الجموع المتوجّهة للتعرّف إلى «صوت صارخ» في صحراء الأردنّ. استمعتْ الجموع إلى تعليم يوحنّا، الذي يأتي في سياق تعليم أنبياء العهد القديم. بدءًا من تشديده على موضوع التوبة، إلى حديثه عن مساعدة الفقير والأرملة، وكذلك تأكيده على العدالة. الجديد في تعليم نبيّ الصحراء كان الحديث على «اقتراب» ملكوت السماوات. فالملكوت قريب، وأكثر من قريب، هو حاضر في تعليم أعظم مواليد النساء. ذلك بأنّه يبشّر «بآتٍ» بعده هو أعظم منه.

هذا الآتي، لا يشبه يوحنّا. يؤكّد يوحنّا السابق لمن يسأله أنّه ليس المسيح، وهو يرفض حتّى لقب نبيّ. هو يكتفي بأن يطلب من الناس التوبة، من طريق معموديّة الماء التي ترمز إلى الاغتسال والتطهّر، ويشجّع من حوله على تقديم ثمار توبتهم لله. فإنّ الآتي سينقّي بيدره بيديه، ويضع الفأس على أصل الشجرة. فكلّ شجرة لا تأتي بثمر تقطع وتلقى في النار. الآن هو أوان التوبة لنقدر على أن تستقبل الآتي، الذي سيعمّدنا بالروح القدس.

بعد ذلك يأتي مشهد المعموديّة، جاء يسوع ليعتمد، وذلك حتّى يكمّل «كلّ برّ»، ليكمّل مشتهى العهد القديم بوصول الناس إلى المسيح. وبعد نقاش قصير مع يوحنّا حول من يجب أن يعتمد من الآخر، يرضخ السابق للآتي. وعند خروج يسوع من الماء، تنفتح السماوات. وهذا بحسب تعابير الكتاب المقدّس يشير إلى تدخّل إلهيّ. وهذا ما يحصل تمامًا. ينبّهنا يوحنّا إلى أمرين الأوّل نزول الروح القدس، بشكل حمامة، واستقراره على يسوع. والثاني سماع صوت يأتي من السماوات المفتوحة، وهذا يعني صوت الله، ليقول عن يسوع إنّه ابنه الحبيب.

وهذا ما أعطى للعيد اسمه «الظهور الإلهيّ». فبدخول الروح القدس وصوت الآب على مشهد معموديّة الابن، نكون أمام ظهور الثالوث بشكل صريح وعلنيّ، ولأوّل مرّة في تاريخ البشر.

بعد القدّاس الإلهيّ في العيد، الذي تسبقه أو تليه صلاة تقديس المياه، يتوجّه الكاهن إلى بيوت الرعيّة، لنضحها بالماء المقدّس. وهكذا تكرّس كلّ بيوت الرعيّة كما كرّست الكنيسة. فكلّ خدمة نقيمها، جماعة، في الكنيسة رجاؤنا أن تمتدّ في كلّ العالم. وهكذا تصبح بيوتنا أماكن عبادة لله، أوَليس هذا معنى التكريس؟

تحمل هذه الجولة، جولة الكاهن على المنازل، معنى اشتراك الخليقة كلّها في أحداث نهر الأردنّ. والحدث هناك هو في الحقيقة تجديد للخليقة كلّها، للبشر ولكلّ عناصر الطبيعة. فالمشهد يذكّرنا بما ينقله الكتاب المقدّس عن بدء الخليقة حيث «كان روح الله يرفّ على وجه المياه». وكما خلق الله العالم بكلمته، هو يجدّده بكلمته الآن أيضًا. فعيد الظهور هو عيد التجديد، الذي أتى به طفل بيت لحم. من هنا

كانت الكنيسة تحتفل بالعيدين في تاريخ واحد، قبل أن يجري فصلهما. نتجدّد نحن بمعموديّة الماء والروح. فيتغيّر شكل الكون في عينينا بعد أن دخل النور الإلهيّ إليها. فالمؤمن يرى الكون كلّه جميلًا. كلّ شيء في العالم طاهر. كلّه مكان سجود للربّ القدّوس.

وكما قدّم الله لنا الخليقة نعمةً منه، ها هو الآن يقدّم لنا التجديد نعمة فوق نعمة. وكما كلّف الله آدمَ بأن يعتني بالخليقة، حصلنا نحن على تكليفنا بالمحافظة على التجديد الذي نلناه بولادتنا من جرن المعموديّة. فالتجديد إذًا مسؤوليّتنا. فنحن نخرج من جرن المعموديّة لا كما دخلنا إليه. دخلنا نشبه العالم وخرجنا على صورة خالقنا. خرجنا «خليقة جديدة»، نسعى إلى خلاصنا وخلاص كلّ البشر. وهكذا نحمل معنا إلى العالم، كلّ العالم، النعمة التي نلناها من يسوع الآتي ليخلّصنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحياة الجديدة