مرات كثيرة في الصلوات الكنسيّة نتلقّى السلام من الكاهن، ولكن ربما كثيرًا ما يكون هذا بلا وعي وبدون أن نفكر بالسلام، مع أنه ذو اهمية كبرى.
فالمفروض اولاً ان نأتي الى الكنيسة ونحن في سلام، وأن نصلي صلاتنا بسلام. انها الطلبـة الأولى، تتقدم سائـر الطلبات: “بسلام إلى الـرب نطلب”. ألم يقـل الـرب: “إذا قدَّمتَ قربانك إلى المذبح وذكرت هناك أن لأخيك شيئًـا عليك، فدع قربانـك هنـاك امام المذبـح وامـضِ اولاً فصالح أخاك، وحينئذ ائت وقدّم قربانك” (متى٥: ٣٢-٤٢)؟ هذا ليس مـن بـاب “الأخلاق” والضميـر الصالح فقط، بل لأنك اذا كنت في حالـة عدم سلام لا تستطيع أن تصلّي.
ولكـن في الأمـر اكثـر مـن ذلـك، وهـو الـوجـه الإيجابي العميق لسلام الكاهن لنا… بل لكل تحية وسلام. عندما اسرعت مريم الـى بيـت زخريا “وسلمـت على أليصابات” امتلأت أليصابـات مـن الـروح القـدس وقـالت: “عندما بلـغ سلامُـك الى أُذنيّ ارتكـض الجنـين بابتهاج في بطنـي” (لوقا ١: ٤٤). فسلام مريـم لـم يكن مـن بـاب المجاملـة، لم يكـن سلامًا باهتًا نكـرًا لا فحوى فيـه، بـل كان يحمـل كل غنـى مـا في قلـب مريم وجسدهـا بعـد أن بشّرهـا المـلاك وحـلّ الـرب يسوع فيها. وإذ كانـت ممتلئـة بحضور اللـه فيـها أفاض سلامها مـن هذا المـلء الـذي كان يُفعـم روحها ابتهاجًا ويجعلها تُسرع لإشراك غيرها فيـه. فشعرت أليصابـات فورًا “بنوعية” هـذا السلام وما يحملـه، وصاحت بصوت عظيم: “مـن أيـن لي ان تـأتي أُم ربي إليَّ” (لوقا ١ :٤٣). سلام مريم حمـل روح مريم الى روح أليصابات. هكذا سلام الكـاهـن لنـا مفروض أن يحمـل الينـا روح الكاهـن الأوحد، أعنـي روح المسيـح.
ربما تكـون هـذه، احيانًا كثيرة، شرعة التحية الواجبة بيـن الناس. فعنـدما نُسلّـم على قريبنـا بلهفـة مـن الـروح ننقـل محبتنـا لــه. فبقـدر ما تكـون لهفـة قلبنـا يكـون تقبّـل روحـه لهـا. السـلام لغــة ولغــة بليغــة. إن بعضهم محبوبون من جميع النـاس من جراء لهفة سلامهم. وبوسع السلام أن يُغني مَن يُلقيـه ومَـن يُلقـى عليـه.
فهـل نـنتبـه كـفـايـة لسلامنا لـلنـاس؟ وهـل نـنـتبـه كفـايـة لسـلام الكـاهـن لـنـا، لنعـطـيـه فـيما بعد لـلنـاس؟