منذ ثمانية قرون تبنّى الكرسي الأنطاكي صوم الميلاد الذي بدأناه منذ يومين في ١٥ تشرين الثاني. وروحه كروح الصوم الأربعينين، أعني رياضة النفس وتجميلها لاستقبال المسيح، فمن أساسات الصيام أن نوفّر ثمن طعام ونعطيه للمساكين.
كل صوم هو مشاركة. يصوم الانسان من أجل الآخرين. فمن قسا قلبه يبطُل صيامه. ومن أبغض أخاه يبطُل صيامه. كل شيء قلب وتليين قلب. الإمساك وسيلة إن نحن أَعطينا. فإن كنت ممدودًا الى الآخرين يجيء الله اليك بالرحمة. من أمسك عن طعام يعرف انه ممسك في سبيل الله فيساعده ذلك على ان يكون مع الآخرين كما أمره الله ان يكون.
في حديث واحد، في العظة على الجبل (الإصحاح السادس من متى) يتكلّم السيد عن الصدقة والصوم، ويُنهي كلامه بقوله: “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض”. ألا يُشتَمّ من هذا التتابع أن هذه أشياء مترابطة، فكيف نفكّ نحن ما جمعه الرب في فكره؟
وإن أردنا ان نزداد تعمقـًا فلا ننسين أن الانسـان غارق في جسده عن طريق اللّذّات وأن الصوم طـريـق ليتـحـرر مـن أَسـر اللـذّة. كيـف نهـرب من سجـن الحـواسّ الطـاغيـة؟ أليسـت إحـدى الطـرق أن نحُدّ من التمتـّع؟ فإذا كثـر التـمتـع على كـل صعيـد، يصبح لنا ساحـرا ومفـرّقـا، فلا فكر لنا الا فيه ولا شـوق لنا الا اليه. وماذا بعد؟ اللذّة البهيميّة، اذا انقضت، تولّد الخيبة، والخيبة تدفعك الى لذّة اخرى فتبقى هكذا في الدوّامة.
ثم انت تهـرب من الألـم باللذة. تهـرب من الألم لأنه يُشعرك بشيء من الموت وانت تخشى الموت. والخـائـف المـوت خاضع للعبوديـة (عبرانيين ٢: ١٥)، لعبـودية اللذّة التي يدفع بها عنه الموت وعبـوديـة ذاتـه. المـال والمجد والجنس (او الجسد على العمـوم)، هذه هي التي نريد اقتنـاءها لظنّنـا أننـا بهـا نغـلب المـوت. هـذه تعطينـا قـوّة فـنشعـر مـؤقتـا -ما دمنـا تحـت سيطرتها- أننا أحياء بها لأننا لـم نُـدرك بعـد أن الحيـاة الحقيقية هي المسيـح نفسـه حسـب قـولـه المبـارك: “أنـا القيـامـة والحيـاة” (يوحنا ١١: ٢٥).
فمـن بـركـات الصيـام انـه بالصَدَقة يَجعلنـا أَقـلّ تعبـّدًا للمال، وبالخلـوة التي لنا مع يسوع الحبيب أكثر بعدا عن المجـد، وبالإمساك أقل تبعيّـة للشهوة، رياضة من رياضات التقرّب، طريق الى الاتّكال عليه.
فلندخل في الأيام التي تفصلنا عن العيد في هذا اللون من ألوان التقشف عسى ألا نقع عشيّة العيد في التخمة.
الصاحون روحيا، المتهيئون بالتعفّف وحدهم يستقبلون السيد مولودا من أجل خلاص العالم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: غلاطية ١٦:٢-٢٠
يـا إخوة، إذ نعم أن الإنـسان لا يُـبـرّر بـأعمال النـاموس بل إنّـما بالإيـمان بـيسوع المسيح، آمنَّا نـحن أيـضًا بـيسوع المسيـح لكي نُـبرَّر بـالإيمان بالمسيح لا بـأعمال الـنـاموس اذ لا يُبرّر بأعمال الناموس أحـدٌ من ذوي الجسد. فإن كنـّا ونـحن طالبـون التبـريـر بالمسيح وُجدنا نـحن أيضًا خطأةً، أفيـكون المسيـحُ إذًا خادمًا للخطيئة؟ حاشى. فإنّي إنْ عدتُ أبـني ما قد هدمتُ أَجـعل نفسي متـعدّيًا، لأنـي بالناموس مُـتُّ للناموس لكي أَحيـا لله. مع المسيـح صُلبتُ فأَحيـا، لا أنا، بـل المسيحُ يـحيا فيّ. وما لي من الحياة في الجسد أنـا أَحيـاه في إيـمان ابن الله الذي أَحبّني وبذل نفسه عنّي.
الإنجيل: لوقا ١٦:١٢-٢١
قال الرب هذا المثل: إنسان غـنيّ أَخصبـت أرضُه فـفكـّر في نفسه قائلا: ماذا أصنع فإنه ليـس لي موضع أخزن فيه أثماري. ثم قال: أَصنع هذا. أهدم أهرائي وأبني أكبر منها وأجمع هناك كل غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفـس إن لك خيرات كثيرة موضوعة لسنـين كثيرة فاستريحي وكُلي واشربي وافرحـي. فقال له الله: يا جاهل، فـي هذه الليلة تُطلب
نفسـك منك. فهـذه التي أَعـددتها لمن تكـون؟ فهكذا من يدّخر لنفسه ولا يستغني بالله. ولما قال هذا نادى: من لـه أُذنان للسمع فليسـمع.