...

من تعليمنا الأرثوذكسي: السماء على الأرض

المرشد: أريد ان أخبرك اليوم قصة تعبّر عن العبادة في الكنيسة الأرثوذكسية: يُروى عن فلاديمير، أمير كييف في القرن العاشر، انه لما كان لا يزال وثنيا، أراد ان يتعرّف على دين جديد له ولشعبه فأرسل مبعوثين الى مختلف البلدان. قصدوا اولا البلغار وعادوا يقولون لفلاديمير: ليس لديهم فرح. ثم زاروا بلاد الجرمان ورومية وراقبوا عباداتهم فوجدوها أفضل، لكنهم تأسفوا لغياب الجمال فيها. أخيرًا وصلوا الى القسطنطينية وحضروا القداس الإلهي في كنيسة آجيا صوفيا، فاكتشفوا ما كانوا يبحثون عنه وعادوا يخبرون الأمير قائلين: لا نستطيع ان نصف ما رأيناه. لم نكن ندري أنحن في السماء أم على الأرض. كل ما نستطيع قوله هو ان الله كان هناك بين البشر، وان عبادتهم تفوق كل ما رأيناه في الأماكن الأخرى التي زرناها. ولا يمكننا أبدًا ان ننسى ذاك الجمال.

التلميذ: من الطبيعي أن يشعر المبعوثون هكذا. جاءوا من بلاد لا تعرف شيئًا الى عاصمة الحضارة في أيامهم. هل أهم ما في عبادتنا عظمة بيزنطيا وزينتها وغناها؟

المرشد: لا. لم يكن قصدي ان أُظهر عظمة الامبراطورية بل ان أَلفت انتباهك الى قول المبعوثين: لم نكن ندري أنحن في السماء أم على الأرض، لأن العبادة في الكنيسة الأرثوذكسية هي فعلا السماء على الأرض. يشمل القداس الإلهي السماء والأرض في ذبيحة واحدة وحضور واحد. وفي كل كنيسـة، مهمـا كانت متواضعـة، يـرتفـع المؤمنون المجتمعون فيها لإقامة سر الشكر الى السماء. وفي كل مرة تُقدّم الذبيحة الافخارستيّة، لا تكون الرعية المحلية وحدها بل تشترك معها الكنيسة الجامعة والملائكة والقديسون ووالدة الإله والمسيح نفسه كما نرتل في القداس السابق تقديسه: الآن تُشاركُنا القوّات السماوية بحال غير منظور.

التلميذ: انا أعرف ذلك لأنك سبقت وشرحت لنا القداس وقلتَ لنا انه رحلة الى الملكوت، فيه يجتمع الأحياء والأموات والملائكة والقديسون. وقلتَ لنا ان الكاهن يبخر الأيقونات كما يبخر المؤمنين الحاضرين.

المرشد: نعم، عمل الأرثوذكسيون لجعل خدمهم أيقونة الليتورجيا السماوية من خلال التعبير عن الجمال بالفن: العمارة والترتيل والايقونات وترتيب الخدمة… لكني أردتُ أن أُبيّن لك خاصة من خصائص الكنيسة الأرثوذكسية تبرز من خلال ما قاله مبعوثو الأمير فلاديمير. حين كانوا يبحثون عن الدين القويم لم يسألوا عن العقائد او عن القواعد الأخلاقية، بل تطلّعوا الى طرُق الصلاة والعبادة في البلدان التي زاروها. يفهم الارثوذكسي الإيمان عبر الليتورجيا، إذ ان العقيدة موجودة في العبادة. وليس صدفة أن تعني كلمة “ارثوذكسية” الإيمان القويم والعبادة الحق في آن واحد. وكما قال أحد الآباء اللاهوتيين المعاصرين: “المسيحية ديانة ليتورجيّة. والكنيسة قبل كل شيء جماعة مُصلّية. تأتي العبادة اولا، وتليها العقائد والأخلاق”.

التلميذ: لكنك تقول لنا دائمًا أن نقرأ الكتب لنفهم الإيمان.

المرشد: صح. لكن الكتب وحدها لا تكفي. من يريد ان يعرف الأرثوذكسية حقًّا، عليه ألاّ يقرأ الكتب وحسب بل بكل بساطة، ان يفعل ما فعله مبعوثو الأمير، أن يشترك في الليتورجية، وبفهم، ويقول للكل كما قال فيلبّس لنثنائيل: “تعال وانظُر”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من تعليمنا الأرثوذكسي: السماء على الأرض