الفصح يعني العبور. هو عبورنا من هذا الدهر الى الدهر الآتي الذي دشّنتْه قيامة المخلّص. نحن بالتوبة ننتقل إلى وجه الآب. بهذا المعنى كل أيامنا فصح. وفي بدء الكنيسة كان الفصح العيد الوحيد، وهو لا يزال “عيد الأعياد وموسم المواسم”.
في الكنيسة الأولى كان العيد يستغرق الأيام الثلاثة: من الجمعة العظيم الى صباح العيد. ثم انتشر العيد في أربعينية مقدسة ننشد فيها “المسيح قام” ونركز عليها بتردادنا العبارة حتى نتربى عليها ونتشبّع منها، والحقيقة ان العبارة تتضمن كل أيامنا. قام بجسده المصلوب والمجلبب بالنور.
ولكون القيامة هي كل حياتنا، نعيّد لها كل أحد الى جانب العيد. وصلواته مخصصة لذِكر انبعاث السيد من بين الأموات. أجل عندنا عيد ولكن كل أحد أحد القيامة اذ لا ذِكر إلا لها.
في الفصح وُلدنا ولادة جديدة. أجل نقول هذا عن معموديتنا، ولكن ما المعمودية إلا مشاركتنا في موت المسيح وقيامته. غلبة السيد للموت هي انبساط القيامة في كل قداس إلهي. ما القـداس سوى ذكـرى موته وانتصاره! الذبيحة الإلهية مشاركة منّا لمجيئه الأول ومجيئه الثاني. نأخذ هذا القداس الذي أَسّسه في العشاء السرّي وحققه على الصليب وأذاع خبره في الفصح. بسبب من ذلك نحن قياميون ليس فقط بمعنى اننا نؤمن بحدث القيامة ولكن بمعنى انها فاعلة في كل عمل خلاص نقوم به بدءا من معموديتنا. ومعموديتنا هي المنتشرة في كل تقديس نناله في حياتنا المسيحية.
أجل نقيم العيد مرة في السنة ولكننا نذكره ونغنّيه أربعين يوما متتالية الى جانب آحاد السنة.
اذا قلنا اننا فصحيون لا ينحصر هذا في أننا نقيم عيدا للفصح مرة في السنة، ولكن المعنى أننا نُحلّ فينا نصر المسيح بحيث نسعى الى قهر الخطيئة في أجسادنا والى الامتلاء من النعيم الذي في الرب منذ هذا العالم.
العيد يوم او أسبوع او أربعون يوما، ولكن حقيقة العيد اي الانتصار على الخطيئة تملأ كل يوم نكون فيه قد جاهدنا مع الرب ووعدناه بأيام أفضل اي أكثر امتلاء من نعمته.
المسيحية ليست محصورة بأيام او أعياد. هي دوام العمر ورؤية للمسيح يجدّدها فينا ويجعلنا بها قاهرين للموت. “إنْ حيينا او مُتْنا فللرب نحن”.
المسيحية لا تنقطع فينا. هي امتداد وعمق الى أن يخطفنا الله الى رؤيته في اليوم الأخير. مع هذا هي في هذا العالم دوام الرؤية بالكلمة التي نُطالعها والأسرار المقدسة التي نتناولها يوما بعد يوم ونتناول فيها مبرّات القديسين.
الفصح، إن لم يرافقنا كل يوم، نكون فقط قد تذكّرناه. اما اذا رافقنا وكنّا فيه، تكون كل حياتنا عيدًا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: أعمال الرسل ١:١-٨
إني قد أنشأتُ الكـلام الأوّل يا ثاوفـيـلس في جمـيع الأمور التي ابتدأ يسوع يعمـلها ويُعلّـم بها الى اليـوم الذي صعـد فيه من بعـد أن أوصى بالـروح القـدس الرسـلَ الذين اصطفـاهم، الذين أَراهم ايضًا نفسَه حيـًّا بعـد تألمـه ببـراهين كثيـرة وهـو يتـراءى لهم مـدة أربعـين يومًا ويُكلّمهم بما يختصّ بملكوت الـلـه. وفيما هو مجتمع معـهم أوصاهم أن لا تبـرحوا من أورشليم بل انتظـروا مـوعـد الآب الذي سمعتمـوه مني، فإن يوحنا عمّـد بالـماء وأما انتم فستعمَّـدون بالـروح القـدس لا بعد هذه الأيام بكثير. فسألـه الـمجتمعـون قـائلين: يا رب أفـي هذا الزمان تردّ الـمُــلْـك الى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنـة او الأوقـات التي جعلهـا الآب في سلطانـه، لكنكم ستنـالون قـوة بحلول الروح القـدس عليكم وتكـونـون لي شهودًا في اورشليـم وفي جميع اليهـوديـة والسامرة والى أقصى الارض.
الإنجيل: يوحنا ١:١-١٧
في البدء كان الكلمـة، والكلمـة كان عند الـلـه، وإلهًا كان الكلمـة، هذا كان في البدء عند الـلـه. كلٌّ بـه كان، وبغيره لم يكـن شيءٌ مما كوِّن. بـه كانت الحياة والحياة كانت نـور الناس، والنـورُ في الظـلمة يضـيء والظلمـة لم تُدركـه. كان إنسان مرسَل من الـلـه اسمه يوحنا. هذا جاء لـلشهادة ليشهد لـلنـور، لكي يـؤمـِنَ الكلُّ بواسطتـه. لم يكـن هو النـور بل كان ليشهد لـلنـور. كان النـورُ الحقيقي الذي ينيـر كل إنسـان آتٍ الى العـالـم. فـي العـالـم كان، والعالـم بـه كُـوِّن، والعـالم لـم يعرفــه. الى خاصّتـه أتى وخاصتــه لم تـقـبلـه، فأمّـا كل الـذين قـبِــلـوه فـأَعـطاهـم سلطـانــًا أن يكـونـوا أولادًا لـلـه الـذين يـؤمنـون باسمـه، الـذين لا مـن دمٍ ولا مـن مشـــيئــة لحـمٍ ولا مـن مشيئــة رجلٍ لكن من الـلـه وُلـِدوا. والكلمـة صار جسدًا وحـلَّ فينـا (وقد أبصرْنا مجده مجدَ وحيد من الآب) مملـوءًا نعـمة وحقًـا. ويوحنـا شهد لـه وصرخ قائلاً: هذا هـو الذي قـلتُ عنـه إن الذي يأتي بعدي صار قبْلـي لانـه مُتقـدِّمي، ومـن مِلئـه نحـن كُلنـا أخذنـا، ونعمـةً عوض نعمـة، لان النـامــوس بموسى أُعطي، وأما النعمة والحق فبيسوع الـمسيـح حصلا.