يرد لفظ “إنجيل” اثنتي عشرة مرّة في القرآن. أمّا المقصود فيه بالإنجيل فهو النصّ الذي أنزله الله على “النبيّ عيسى ابن مريم”، لذلك ليس ثمّة أناجيل أربعة، بل إنجيل واحد موحى به من الله. فالقرآن يقول: “نزّل عليكَ (يا محمّد) الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه، وأنزل التوراة (على موسى) والإنجيل (على عيسى) من قبل هدًى للناس” (سورة آل عمران، 3-4)، ويقول أيضًا: “وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقًا لما بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيلَ فيه هدًى ونورٌ، ومصدّقًا لما بين يديه من التوراة وهدًى وموعظةً للمتّقين. وليحكمْ أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” (سورة المائدة، 46-47)…
كما نجد في القرآن آيات عديدة تشير إلى الإنجيل من دون ذكر اسمه صراحةً، كما في الآية: “قولوا آمنّا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون” (سورة البقرة، 136)… وقد استخدم القرآن أكثر من خمسين مرّة لفظ “كتاب” للدلالة على الإنجيل، كما في الآية: “قال (عيسى وهو في المهد) إنّي عبد الله آتاني الكتابَ وجعلني نبيًّا” (سورة مريم، 30)… ويفسّر المسلمون لفظ “إنجيل” كما يفسّره المسيحيّون “البشرى السارّة”. وقد ورد هذا اللفظ في القرآن لتدلّ على كتاب عيسى الذي أنزله الله عليه، كما أنزل التوراة على موسى والقرآن على محمّد.
اللافت هو أنّ القرآن احتفظ بلفظ “إنجيل” بمعناه اليونانيّ ولم يعرّبه، وهو الكتاب الذي يقول عن نفسه إنّه أُنزل “بلسان عربيّ مبين”، لأنّه كان مستعمَلاً بشكل عامّ قبل الدعوة المحمّديّة للدلالة على كتاب المسيحيّين. واللافت أيضًا أنّ القرآن يستخدم لفظ “الإنجيل” بصيغة المفرد، ولا يتبنّى الإيمان المسيحيّ بوجود “الأناجيل” بصيغة الجمع، ولا يذكر أيًّا من أسفار العهد الجديد الأخرى (أعمال الرسل والرسائل والرؤيا). أمّا الأشخاص الذين يذكُرهم القرآن من العهد الجديد إلى جانب عيسى، فهم السيّدة مريم أُمّه التي يخصّها القرآن باسم سورة، والنبيّ زكريّا وابنه النبيّ يحيى (يوحنّا المعمدان).
ويذكر القرآن أحداثًا إنجيليّة مثل: بشارة زكريّا بيحيى، وبشارة مريم وميلاد عيسى وعجائب السيّد المسيح: “وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس” (سورة البقرة، 87)، وما ورد على لسان المسيح: “وأُبرئ الأكمه (المولود أعمى) والأبرص وأُحيي الموتى” (سورة آل عمران، 49). ويتبنّى القرآن بعض الأحداث الموجودة في الأناجيل الأبوكريفيّة (المنحولة غير القانونيّة) مثل: قصّة عمران (يواكيم) وامرأته (حنّة)، وميلاد مريم، وبعض معجزات المسيح كما ورد في الآية القرآنيّة: “ويُكلّم الناس في المهد” (سورة آل عمران، 46)، و”رسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله” (سورة آل عمران، 49).
يطلب القرآن من أتباعه أن يؤمنوا بجميع الكتب التي نزلت من قبله على أنبياء الله ورسله، ومنها الإنجيل الذي أُنزل على عيسى. لكنّ المسلمين يميّزون بين كتاب يُسمّونه “إنجيل عيسى” والأناجيل الأربعة المتداولة في الجماعات المسيحيّة، فـ”إنجيل عيسى” قد نزل عليه من لدن الله، فهو كتاب واحد يتضمّن الوحي الإلهيّ. ومن ثمّ يؤكّدون أنّ “إنجيل عيسى” المذكور في القرآن، وهو الأصل الإلهيّ، قد ضاع وفُقد. أمّا الأناجيل المعتمدة من المسيحيّين فليست الإنجيل الذي يستشهد به القرآن. ولا يصحّ بنظرهم الاعتقاد بأيّ كتاب من العهد الجديد على أنّه كتاب من عند الله أو أنّه يحوي الوحي الإلهيّ.
كما يستند رفض المسلمين للأناجيل الأربعة على كونها غير مُنزّلة من الله بل هي تأليف الحواريّين (الرسل). والحواريّون هم “أنصار المسيح” ولكنّهم ليسوا من الأنبياء، لذلك هم ليسوا معصومين وليسوا أيضًا رسل الربّ، بل هم تلاميذ أرسلهم النبيّ عيسى لكي يبشّروا بما ورد في إنجيله.لذا، فهذه الأناجيل، عندهم، هي عبارة عن ذكريات تتحدّث عن حياة المسيح وأعماله وتعاليمه، وهي ليست سوى أعمال بشريّة بحتة، وليست كما يدّعي المسيحيّون كتبًا دُوّنت بإلهام من الله، ولا تحوي ما ما ورد في “إنجيل عيسى”. كما يتّهم المسلمون المسيحيّين بأنّهم حرّفوا وزوّروا وبدّلوا الكتب المقدّسة، وبأنّهم محوا وأَخفوا وحوّروا كلّ ما يتعلّق بـمحمّد الذي تنبّأ عن مجيئه السيّد المسيح.
هذا الجدل عمره من عمر الإسلام، 1400 عام، وسيستمرّ إلى انقضاء الدهر. لكنّنا نذكّر بأنّنا لا نقول عن الأناجيل ما يقوله المسلمون عن قرآنهم. لذلك، لا تصحّ الرؤية القرآنيّة عن كتابنا المقدّس. الكلمة الإلهيّة الموحاة إلينا هي شخص الربّ يسوع نفسه، هو الكلمة التي شاء الله أن يوحيها إلينا. الوحي الإلهي، وفق تعليمنا، ليس كتابًا أو نصًّا، بل هو يسوع المسيح “كلمة الله” المتجسّد. أمّا الأناجيل، فهي شهادات حيّة دوّنها التلاميذ وتلاميذهم بإلهام من الروح القدس كي لا تضيع تعاليم الربّ يسوع الخلاصيّة، بل لتكون لنا الحياة الأبديّة.