الروح القدس الساكن فينا هو الذي يصلّي، إذ نقول في مطلع الخدمة الإلهيّة: «أيّها الملك السماويّ المعزّي روح الحقّ هلمّ واسكن فينا…»، أي أنّنا نخاطبه بالقوّة التي أنزلها إلينا. هو الذي يغيّرنا من حال إلى حال فيرفع نفسنا إلى الصلاة.
تكون أنت جرّدت نفسك من شهواتها ونزواتها وجعلتها مسكنًا لله فيحرّكنا إليه وكأنّ الله في صلاتك إليه يخاطب نفسه. الربّ يدخل إليك بالروح القدس، فيجرّد نفسك من شهواتها ويجعلها قادرة على التحدّث إليه. عندما تخاطب الروح القدس عند بدء كلّ صلاة «أيّها الملك السماويّ المعزّي…»، يهرب عنك روح الشرّ ويسكن فيك روح المسيح وينهضك، ولا يبقى لك كلام إذ ينزل عليك كلام المسيح ويخاطب المسيح فيك نفسه وتصبح بذلك المسيح نفسه.
الصلاة صحّ القول إنّها ارتفاع النفس إلى الله ولكن بمعنى أنّها ترتفع بقوّة المسيح نفسه.
قبل دخول روح الله إليها تكون هابطة أو فارغة أو مسودّة أو مكسورة. وإذا دخل الروح الإلهيّ إليها تتحرّك بقوّته إلى الآب وتصير نفسًا مجدّدة بالروح. تضمّ ذاتها إلى الربّ مجتمعة بكلّ قواها ويصلّي الروح القدس فيها. لذلك نقول في مطلع صلواتنا للروح القدس: «هلمّ واسكن فينا وطهّرنا من كلّ دنس». ومعنى ذلك أنّنا لا نقدر على أن نصلّي في العمق، إلاّ إذا دعونا الروح القدس لينزل إلينا ويدفع النفس إلى الله، فيصلّي الإنسان بقوّة الروح الإلهيّ. الصلاة إذًا منذ أوّل كلمة فيها هي من الروح القدس إلى الآب.
معنى ذلك أنّ الصلاة تبدأ فينا عندما نطرد الأرواح الشرّيرة عنّا أي فكر الخطيئة. ملازمة الإنسان لروح الله فيه هو الشرط لحقيقة الصلاة. ولذلك كانت الصلاة منذ بدئها توبة بحيث إنّك بها تطلب الله وتطرد ما كان ضدّ الله. يمكنك أن تصلّي وأن تقبل بقاء الخطيئة فيك. هذا يكون تناقضًا. الصلاة في جوهرها توبة ومن الواضح أنّ الذي لا يصلّي لا يريد أن يتوب. في كثرة من الأحوال من أهمل صلاته هو إنسان راغب في ألاّ يتوب. ومن عاد إليها بعد إهمال قرّر الرجوع إلى الله. الصلاة هي الحبل الذي يربطنا بالله. هي إقامة في الله. هي الدليل الأقوى على الإيمان.
الصلاة ليست آتية من العقل فقط. هي قوّة الروح القدس نفسه فينا. هي دليلنا الواضح على اتّحادنا بالله.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أفسس ٦: ١٠-١٧
يا إخوة تقوَّوا في الربّ وفي عزّة قدرته. إلبسوا سلاح الله الكامل لتستطيعوا أن تقفوا ضدّ مكايد إبليس. فإنّ مصارعتنا ليست ضدّ لحمٍ ودمٍ بل ضدّ الرئاسات، ضدّ السلاطين، ضدّ ولاة العالم، عالم ظلمة هذا الدهر، ضدّ أجناد الشرّ الروحيّة في السماويّات. فلذلك احملوا سلاح الله الكامل لتستطيعوا المقاومة في اليوم الشرّير، حتّى إذا تمّمتم كلّ بِرّ تثبتون. فاثبتوا إذًا ممنطقين أحقاءكم بالحقّ، ولابسين درع البِرّ، وأنعِلوا أقدامكم باستعداد إنجيل السلام، واحملوا علاوةً على ذلك ترس الإيمان الذي به تقدرون على أن تُطفئوا جميع سهام الشرّير الملتهبة، واتّخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله.
الإنجيل: لوقا ١٣: ١٠-١٧
في ذلك الزمان كان يسوع يعلّم في أحد المجامع يوم السبت، وإذا بامرأة بها روح مرض منذ ثماني عشرة سنة، وكانت منحنية لا تستطيع أن تنتصب البتّة. فلمّا رآها يسوع دعاها وقال لها: إنّك مُطْلقة من مرضك، ووضع يديه عليها، وفي الحال استقامت ومجّدت الله. فأجاب رئيس المجمع، وهو مغتاظ لإبراء يسوع في السبت، وقال للجمع: هي ستّة أيّام ينبغي العمل فيها، ففيها تأتون وتستشفون، لا في يوم السبت. فأجاب الربّ وقال: يا مرائيّ، أليس كلّ واحد منكم يحلّ ثوره أو حماره في السبت من المذود وينطلق به فيسقيه؟ وهذه، وهي ابنة إبراهيم التي ربطها الشيطان منذ ثماني عشرة سنة، أما كان ينبغي أن تُطْلَق من هذا الرباط يوم السبت؟ ولمّا قال هذا، خزي كلّ من كان يقاوم، وفرح الجمع بجميع الأمور المجيدة التي كانت تصدر منه.