نعيّد بعد أيّام لرئيسَي الملائكة ميخائيل وجبرائيل. «مَن مثل الله؟ هل هذا سؤال يطرحه كلّ منّا على نفسه؟ مَن مثل الله يكون ضامنًا وحيًّا ومُحييًا ومنعشًا؟ الذين دُعوا في المسيحيّة إلى تكريم الملائكة،
الذين أسّسوا كنائس تستشفع ميخائيل وجبرائيل وما إليهما من الملائكة، في هذه البلاد منذ القرن الخامس الميلاديّ، هؤلاء آمنوا بأنّ الله وملائكته هم كلّ شيء، وبعبارة أخرى أنّ الحياة هي أن تكون الخلائق حولهم في حالة تمجيد وتسبيح دائمين للآب والابن والروح القدس. العالم قائم برُبُطه كلّها العائليّة والاجتماعيّة لكي يندفع إلى وجه الآب إذا أطلّ المسيح علينا في مجيئه الثاني وشدّ الكون بأسره الى النور.
الملائكة مخلوقات خُلقت قبل العالم المنظور وهي تكمل خدمتها وستبقى إذا فنيَ العالم المنظور. هي مستقلّة عن العالم لكونها شاخصة إلى وجه الآب، تتأمّل جماله وتتغذّى من أنواره. نرتّل في صلاة السَحر للعيد: «أنتَ نور أيّها السيّد لا بدء له مشرق من نور هو الآب وقد صنعتَ جنود الملائكة أنوارًا مرايا قابلة ضياءك الذي لا يغيب..». الملائكة أرواح غير متجسّمة مُرسَلة للخدمة من أجل الكون والإنسان، وهي ضابطة للكون وعناصره لأنّها قادرة على أن ترى الله وتعاين وجهه وتتغذّى من نوره وتعكسه في الكون ضياء وحياة.
وتشبّهًا بالملائكة لنا خدمة في هذا العالم أن تكون حياتنا كلّها «ذبيحة تسبيح» كما يقول بولس الرسول: «لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكنّنا نطلب العتيدة. فلنقَدّم به (أي بالمسيح يسوع) في كلّ حين لله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه» (عبرانيّين ١٣: ١٥). ولكن، يواصل الرسول: «لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنّه بذبائح مثل هذه يُسَرّ الله» (١٣: ١٦). واضح في الكتاب الإلهيّ أنّ العمل كلّه سلّم إلى رؤية الله. العمل الصالح ذاته ما هو إلاّ ذبيحة أي تطهير النفس. نحن لا نغيّر الكون بعملنا ولكنّنا نغيّر الإنسان الذي في الكون. من الإنسان المُنَقّى يأتي كلّ شيء. وأمّا مَن لم يتنقّ فلا يأتي منه إلاّ الضرر ولو كانت أعماله في الظاهر كثيرة ونافعة.
القلب وحده يتبع القلب. المسيحيّة لم تقل ينبغي أن ننظّم الدنيا. المسيحيّة تقول: إن أنتَ نظّمتَ المهمّ أن تبقى العلاقة قائمة بين القلب والقلب. يمكنك أن تغيّر كلّ شيء والعلاقات بين الأشياء ولكنّك إن لم تغيّر العلاقات بين القلوب فهذا كلّه ضجيج وتراكم وأشياء خارجة عن الإنسان. المهمّ أن تكون كتلك الأرواح التي تُرسَل للخدمة لأنّها قادرة على أن ترى الله وتعاين وجهه.
تقول الكنيسة عن الملائكة إنّها حارسة. لكلّ منّا ملاك حارس. هذا تقليد قديم. «ما أعظم النفس البشريّة حتّى إنّ كلّ نفس لها ملاكها الخاصّ» يقول القدّيس إيرونيموس. معنى ذلك أنّ الإنسان محروس بالله وبقوّة الله لأنّ الشيطان غايته أن يسحق المؤمنين. الملائكة هم «أرواح خادمة تُرسَل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص» (عبرانيّين ١: ١٤). إنّها تعمل لكي توجّه أنظار الإنسان إلى وجه الآب لكي يتدفّق نور الله في الكون ويمحو كلّ ظلمة، فتتلذّذ الخليقة بأسرها «بلمعان أشعّة الرئاسة الإلهيّة المتدفّقة الأنوار فلا تنفكّ أبدًا تسبّح الله الممجّد وتعظّمه» (من صلاة السَحَر).
عمل الملائكة أن تصل بنا إلى مجيء الربّ الثاني. عند مجيئه لن يبقى شيء من ترابيّة الإنسان، من لحميّة الإنسان، من عصبية الإنسان. تذوب كلّها في بحر من الضياع، وينصبّ الكون بأسره مع الملائكة في حالة تسبيح دائم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: غلاطية ٦: ١١-١٨
يا إخوة، انظروا ما أعظم الكتابات التي كتبتُها إليكم بيدي. إنّ كلّ الذين يريدون أن يُرضُوا بحسب الجسد يُلزمونكم أن تَختتنوا، وإنّما ذلك لئلاّ يُضطهدوا من أجل صليب المسيح، لأنّ الذين يختتنون هم أنفسهم لا يحفظون الناموس بل إنّما يريدون أن تختتنوا ليفتخروا بأجسادكم. أمّا أنا فحاشى لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح الذي به صُلِب العالم لي وأنا صُلبت للعالم؛ لأنّه في المسيح يسوع ليس الختان بشيء ولا القلف بل الخليقة الجديدة. وكلّ الذين يسلكون بحسب هذا القانون فعليهم سلام ورحمة، وعلى إسرائيلِ اللهِ. فلا يجلبْ عليَّ أحدٌ أتعابًا في ما بعد فإنّي حامل في جسدي سِماتِ الربّ يسوع. نعمة ربّنا يسوع المسيح مع روحكم أيّها الإخوة، آمين.
الإنجيل: لوقا ١٦: ١٩-٣١
قال الربّ: كان إنسان يلبس الأُرجوان والبزّ ويتنعّم كلّ يوم تنعّمًا فاخرًا. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحًا عند بابه مصابًا بالقروح. وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغنيّ، بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الغنّي أيضًا فدُفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب فرأى إبراهيم من بعيدٍ ولعازر في حضنه. فنادى قائلاً: با أبت إبراهيم ارحمني وأرسِلْ لعازر ليُغمّس طرف إصبعه في الماء ويبرّد لساني لأنّي معـذّب في هذا اللهـيب. فقال: إبراهيم: تذكـّرْ با ابنـي أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه، والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذّب. وعلاوةً على هذا كلّه فبيننا وبينكم هوّة عظيمة قد أُثبتت حتّى إنّ الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك أن يعبُروا إلينا. فقال: أَسألُك إذًا يا أبتِ أن تُرسله إلى بيت أبي، فإنّ لـي خمسة إخوةٍ حتّى يشهـد لهم كيلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم: إنّ عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. قال: لا يا أبت إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحدٌ من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء، فإنّهم ولا إن قام واحدٌ من الأموات يُصدّقونه.