قال السيّد في إنجيل اليوم: «لم يكن الروح القدس بعد لأنّ يسوع لم يكن بعد قد مُجّد». معنى هذا الكلام أنّ الروح الإلهيّ، بالمواهب التي فيه، بالنِعم التي يحملها، لم يكن ليُعطى للعالم إلاّ بعد صعود الربّ إلى السماء.
تعليم يسوع مدوّن في الأناجيل، لكنّ كلمة الإنجيل تدخل إلى قلب ولا تدخل إلى قلب آخر. ليس كلّ الناس إذا استمعوا إلى الإنجيل يتغيّرون. هناك ناس تمرّ عليهم الكلمة ولا تدخل، وهناك ناس تحييهم الكلمة. القوّة التي تحييهم، التي تحوّل كلمات يسوع إلى كلمات فعّالة، مُحيية، منعشة، مُقدِّسة، القوّة التي تحرّك كلماته فينا هي من الروح القدس.
عندما كلّم يسوع تلاميذه بعد العشاء الأخير في طريقه إلى بستان الزيتون قال «سأرسل لكم معزّيًا آخر (لأن يسوع هو المعزّي الأوّل) يرشدكم إلى جميع الحقّ ويعلّمكم كلّ ما آمنتم به» (يوحنا ١٤: ١٦). يرشدكم إلى جميع الحقّ، أي أنّه لا يأتي بكلمات جديدة، لا يعلّم تعليمًا جديدًا لأنّه ليس من تعليم جديد بعد يسوع. سوف يفعّل كلام يسوع في قلب كلّ مؤمن به.
الروح القدس هو روح القداسة، هو الذي يقدّس المؤمنين. التقديس هو فعل الثالوث القدّوس كلّه، لكنّ الروح القدس يفعّله في قلوب البشر. الروح القدس يُدخل تعليم يسوع في قلب كلّ إنسان.
الروح القدس يوزّع المواهب: يحلّ في مسيحيّ مؤمن ويجعله واعظًا أو معلّمًا. لا أحد يقدر على أن يعمل نفسه واعظًا أو معلّمًا، الروح القدس يعطيه موهبة الوعظ أو التعليم أو غيرها، الروح القدس يعطي روح الخدمة، خدمة الفقراء وروح العطاء. لا يستطيع أحد أن يجعل نفسه خادمًا للفقراء وهكذا لكلّ المواهب. كلّ تحريك في الكنيسة يأتي من الروح القدس. الروح القدس يحفظ الكنيسة ويقوّيها ويجدّدها.
الروح القدس هو الذي يضع القواعد الأساسيّة في الكنيسة. الروح القدس يكمّل الكهنوت. عندما يضع المطران يده على رأس إنسان ليصير كاهنًا، يكون هذا بقوّة الروح الإلهيّ. المطران أداة لينقل هذه النعمة لذلك يقول في الرسامة: «النعمة الإلهيّة التي للناقصين تكمّل وللمرضى تشفي تنقل (فلانًا) من رتبة الشموسيّة إلى رتبة القسوسيّة» أي إلى الكهنوت.
يصير تكميل الأسرار في الكنيسة بالنعمة الإلهيّة: ينال الإنسان المعموديّة بنعمة الروح القدس، ينال القربان الإلهيّ بنعمة الروح القدس، ينال الزواج بنعمة الروح القدس، ينال التوبة بنعمة الروح القدس.
كلّ نعمة تأتي من الأقنوم الثالث الذي نعيّد له غدًا، نعيّد لأقنومه. اليوم نعيّد لحادثة حلوله على التلاميذ في علّيّة صهيون، عندما حلّ على كلّ واحد منهم بشكل ألسنة ناريّة. النار هو الدفء، الحيويّة. معنى هذا الحلول أنّه أعطاهم الحياة الجديدة. هذا يعني أنّ من هو ملتهب بمحبّة يسوع صار قادرًا بنعمة الروح القدس على أن يعطي هذه المحبّة للآخرين. عمل الروح القدس فينا أن نكون مولِّدين القوّة الروحيّة التي فينا. لذلك قال إنجيل اليوم: «إنّ المؤمن تجري من بطنه أنهار ماء حيّ»، أي أنّه يوّلد القداسة في ذاته وفي الآخرين.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٢: ١-١١
لمّا حلّ يوم الخمسين كان الرسل كلّهم معًا في مكان واحد. فحدث بغتة صوت من السماء كصوت ريح شديدة تعصف، وملأ كلّ البيت الذي كانوا جالسين فيه. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار فاستقرّت على كلّ واحد منهم. فامتلأوا كلّهم من الروح القدس وطفقوا يتكلّمون بلغات أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. وكان في أورشليم رجال يهود أتقياء من كلّ أمّة تحت السماء. فلمّا صار هذا الصوت اجتمع الجمهور فتحيّروا لأنّ كلّ واحد كان يسمعهم ينطقون بلغته. فدهشوا جميعهم وتعجّبوا قائلين بعضهم لبعض: أليس هؤلاء المتكلّمون كلّهم جليليّين؟ فكيف نسمع كلّ منّا لغته التي وُلد فيها؟ نحن الفرّتيّين والماديّين والعيلاميّين وسكّان ما بين النهرين واليهوديّة، وكبادوكية وبُنطُس وآسية وفريجية وبمفيلية ومصر، ونواحي ليبية عند القيروان والرومانيّين المستوطنين، واليهود والدخلاء والكريتيّين والعرب نسمعهم ينطقون بألسنتنا بعظائم الله.
الإنجيل: يوحنّا ٧: ٣٧-٥٢
في اليوم الآخِر العظيم من العيد كان يسوع واقفًا فصاح قائلاً: إن عطش أحد فليأتِ إليَّ ويشرب. من آمن بي فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهار ماء حيّ (إنّما قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مُزمعين أن يقبلوه إذ لم يكن الروح القدّس بعد لأنّ يسوع لم يكن بعد قد مُجّد). فكثيرون من الجمع لمّا سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخرون: هذا هو المسيح. وآخرون قالوا: ألعلّ المسيح من الجليل يأتي؟ ألم يقُل الكتاب إنّه من نسل داود من بيت لحم القرية حيث كان داود يأتي المسيح؟ فحدث شقاق بين الجمع من أجله. وكان قوم منهم يريدون أن يُمسكوه ولكن لم يُلقِ أحد عليه يدًا. فجاء الخُدّام إلى رؤساء الكهنة والفرّيسيّين، فقال هؤلاء لهم: لمَ لم تأتوا به؟ فأجاب الخدّام: لم يتكلّم قطّ إنسان هكذا مثل هذا الإنسان. فأجابهم الفرّيسيّون: ألعلّكم أنتم أيضًا قد ضللتم؟ هل أحد من الرؤساء أو من الفرّيسيّين آمن به؟ أمّا هؤلاء الجمع الذين لا يعرفون الناموس فهم ملعونون. فقال لهم نيقوذيموس الذي كان قد جاء إليه ليلاً وهو واحد منهم: ألعلّ ناموسنا يدين إنسانًا إن لم يسمع منه أولاً ويَعلم ما فعل؟ أجابوا وقالوا له: ألعلّك أنت أيضًا من الجليل؟ ابحث وانظر إنّه لم يَقُمْ نبيّ من الجليل. ثمّ كلّمهم أيضًا يسوع قائلاً: أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة.