أرادت الكنيسة اليوم، في هذا الأحد المُعتَرض بين عيدي الصعود والعنصرة، أن تقيم ذكرى الآباء الذين اجتمعوا في المجمع المسكونيّ الأوّل السنة ٣٢٥. هذا الحدث غاية في الأهمّيّة لأنّ هؤلاء الآباء قد أقرّوا دستور الإيمان، أو القسم الأكبر منه، وأعلنوا المسيح إلهًا خالقًا، نورًا من نور، إلهًا حقّ من إله حقّ، مولودًا من أبيه منذ الأزل، غير مخلوق. أعلنوا ذلك لأنّ كاهنًا من الإسكندريّة يُدعى آريوس علّم أنّ المسيح لم يكن منذ الأزل ولكنّه خُلق خلقًا كما يُخلق الناس. وقد نبّهتنا رسالة اليوم إلى أنّ المؤمنين يجب أن يتجنّبوا التعاليم الفاسدة والهراطقة الذين يعلّمون كلامًا باطلاً.
خضَّ هذا التعليم الكنيسة خضًّا كبيرًا واجتمع الآباء القدّيسون بدعوة من قسطنطين الملك ليعلنوا إيمان كنائسهم وشهادتها بأنّ المسيح غير مخلوق، وأنّه قائم منذ الأزل في أحضان الآب قبل أن يولد من البتول، وقبل أن يكون العالم هو كائن. «به العالم كُوّن وبغيره لم يكن شيء ممّا كوّن» (يوحنّا ١: ٢). فيه كانت الحياة أي أنّه سابق للحياة.
اليوم، كما حصل في كلّ العصور، تتكرّر هذه التعاليم وتأتيكم شيعًا مستوردة من الغرب لتجدّد القول إنّ المسيح ليس إلهًا، وأشهر هذه الشيع شهود يهوه الذين يقولون إنّ المسيح ليس إلهًا وإنّه مخلوق.
واجهت الكنيسة هذا التعليم الخاطئ بفكرة بسيطة قالها القدّيس أثناسيوس الكبير في مجمع نيقية، وأظهرها في كتاباته لاسيّما في كتابه الشهير «في تجسّد الكلمة» إذ قال: إنّ الذي عُلّق على الصليب ينبغي أن يكون إنسانًا لأنّه لو لم يكن إنسانًا، أي لو شُبّه لهم على أنّه إنسان أو كان خيالاً فقط، لو لم يكن المصلوب إنسانًا لما مات أحد على الصليب، ولما افتُدينا وكنّا بعد في خطايانا. لأنّ الإنسان كيف يفتدي الإنسان؟ كيف الإنسان يخلّص الإنسان؟
انطلق آباؤنا من هذا الأمر البسيط أنّنا مُخَلّصون، وحتّى يكون خلاصنا حقيقيًّا ينبغي أن يكون هذا المُعلّق على الصليب إلهًا وإنسانًا في آن واحد، إلهًا يفعم الخلاص وإنسانًا يتلقّى الموت. هذا ملخّص الإيمان المسيحيّ وينبغي أن نتمسّك به. جوابنا على الهراطقة بسيط: أن لم يكن المسيح إلهًا فالخلاص لم يحصل.
الآباء الذين اجتمعوا في نيقية من كلّ أنحاء المسكونة، وعلى الأخصّ من أنحاء الشرق، عُذّبوا من أجل المسيح. لم يكونوا اختصاصيّين في اللاهوت، كان بعضهم فهيمًا وأكثرهم لم يكن كذلك من الناحية العلميّة. لم يأتوا بنظريّات علميّة لكنّهم أتوا بشهادة الدم التي على أجسادهم. الأمر العظيم فيهم أنّهم تألّموا جميعًا في سبيل المسيح. معظمهم كانوا أساقفة في زمن اضطهاد المسيحيّين وكثير منهم كانوا يحملون آثار التعذيب في أجسادهم. تعلمون أنّ حرّيّة الدين المسيحيّ في الأمبراطوريّة الرومانيّة أُعلنت السنة ٣١٣ وعُقد المجمع المسكونيّ الأوّل السنة ٣٢٥ أي بعد ١٢ سنة.
عندما نعلن مثل آباء نيقية أنّنا نؤمن بالمسيح الظافر الصاعد الجالس عن يمين الآب، فإنّنا نقول إنّنا مفديّون وإنّنا محبوبون. ونعلم أنّ ربّنا هنا الآن معنا وفي وجودنا وأنّنا ملتصقون به، ونعلم أنّنا ذاهبون إليه.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٢٠: ١٦-١٨ و٢٨-٣٦
في تلك الأيّام ارتأى بولس أن يتجاوز أفسس في البحر لئلاّ يَعرُض له أن يُبطئ في آسية، لأنّه كان يعجّل حتّى يكون في أورشليم يوم العنصرة إن أمكنه. فمن ميليتُس بعث إلى أَفسس فاستدعى قُسوس الكنيسة، فلمّا وصلوا إليه قال لهم: احذَروا لأنفسكم ولجميع الرعيّة التي أَقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسـة الله التي اقتناها بدمه. فإنّي أعْلم هذا أنّه سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئاب خاطفة لا تُشفِق على الرعيّة، ومنكم أنفسكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم. لذلك اسهروا متذكّرين أَنّي مدّة ثلاث سنين لم أَكْفُفْ ليلاً ونهارًا عن أن أَنصح كلّ واحد بدموع. والآن أستودعكم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمته القادرة على أن تبنيكم وتمنحكم ميراثًا مع جميع القدّيسين. إنّي لم أَشتهِ فضّةَ أحدٍ أو ذهبه أو لباسه. وأنتم تعلمون أنّ حاجاتي وحاجات الذين معي خدمَتْها هاتان اليَدان. في كلّ شيء بيّنتُ لكم أنّه هكذا ينبغي أن نتعب لنساعد الضعفاء وأن نتذكّر كلام الربّ يسوع. فإنّه قال «إنّ العطاء هو مغبوط أكثر من الأخذ». ولمّا قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلّى.
الإنجيل: يوحنّا ١٧: ١-١٣
في ذلك الزمان رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال: يا أبتِ قد أتت الساعة، مجِّد ابنَك ليُمجّدَك ابنُك أيضًا، كما أعطيتَه سلطانًا على كلّ بشر ليُعطي كلّ من أعطيتَه له حياة أبديّة. وهذه هي الحياة الأبديّة أنْ يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك والذي أرسلتَه يسوع المسيح. أنا قد مجّدتك على الأرض، قد أَتممتُ العمل الذي أعطيتني لأعمله. والآن مجِّدْني أنت يا أبتِ عندك بالمجد الذي كان لي عندك من قبل كون العالم. قد أعلنتُ اسمَك للناس الذين أعطيتَهم لي من العالم. هم كانوا لك وأنت أعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك. والآن قد علموا أنّ كلّ ما أعطيتَه لي هو منك، لأنّ الكلام الذي أعطيتَه لي أعطيتُه لهم، وهم قبلوا وعلِموا حقًّا أنّي منك خرجتُ وآمنوا بأنّك أرسلتني. أنا من أجلهم أسأل، لا أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتَهم لي لأنّهم لك. كلّ شيء لي هو لك وكلّ شيء لك هو لي وأنا قد مُجّدت فيهم. ولستُ أنا بعد في العالم، وهؤلاء هم في العالم، وأنا آتي اليك. أيّها الآب القدّوس احفظهم باسمك الذين أَعطيتهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن. حين كنتُ معهم في العالم كنتُ أَحفظهم باسمك. إن الذين أعطيتَهم لي قد حفظتُهم ولم يَهلك منهم أحد إلاّ ابن الهلاك ليتمّ الكتاب. أمّا الآن فإنّي آتي اليك. وأنا أتكلّم بهذا في العالم ليكون فرحي كاملاً فيهم