إلى اليوم، ما من قديس بين الذين يضمّ سنكسار الكنيسة الأرثوذكسية سيرهم، أدّى دورًا على صعيد التكنولوجيا مثل القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي. إن حكمة النعمة الإلهية التي اقتناها القديس بورفيريوس كانت فريدةً، والأسلوب الذي اجترح فيه عجائبه في حياته وبعد رقاده كان هامًّا، فتركنا نحن “علماء التكنولوجيا مذهولين”، كما تقول الكنيسة الأرثوذكسية بحقٍّ.
الجدير بالذكر أنّ القديس بورفيريوس عاش في زمن كانت فيه التكنولوجيا تتطوّر بسرعة مع علوم متنوعة أخرى، إلى درجة أنّ بعض المفكرين الأرثوذكسيين في زمانه بدأوا يعتبرون التطوّر التكنولوجي شرّيرًا وخبيثًا.
خلال الثلاثين سنة الأخيرة من حضور القديس بورفيريوس على الأرض، خطت التكنولوجيا خطوات مهمة: مشى الإنسان على القمر، وطوّر الراديو والتلفزيون والطب وتكنولوجيا النانو، انطلقت الأبحاث في الجسيمات الأولية elementary particles وفي المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى استطلاعات تسجيل الزلازل seismographic surveys وعلم الفلك وتكنولوجيا المواد technology of materials…
ولقد جرت حوادث عدّة حيث زار علماء مشهورون القديس بورفيريوس، ليصفوا له ببهجة وليعلنوا له بكبرياء أحد اكتشفاتهم العلمية، فأصبحوا عادمي النطق جرّاء ملاحظاته العلمية ونصائحه وإضافاته على البحث العلمي المتقدّم.
جاءه علماء فلك ليطلعوه على ما اكتشفوا من كواكب بواسطة التلسكوبات الفلكية الضخمة، فأرشدهم إلى اكتشاف كواكب أخرى أكثر أهمية ملاصقة لتلك التي اكتُشفت سابقًا. كما زاره أساتذة في الطب ليخبروه بفرح وحماسة عن طريقة طبية متخصّصة ومبتكَرة لمعالجة مرض، فأمسوا بكمانًا عندما صحّح لهم أبحاثهم بتعابير طبية متقدّمة ومصطلحات علمية أخرى.
وعندما وصل الراديو الخاص إلى اليونان، عبّر بعض الكهنة عن شكّ تجاه إنشاء إذاعة راديو كنيسة اليونان وتشغيلها، لكنّ القديس بورفيريوس اغتبط مثل ولد صغير بمثل هذا التطوّر، وكان يحمل يوميًّا جهاز راديو ليستمع إلى إذاعة الكنيسة.
سُجِّلت عجائب عدّة حيث، بعون الله، رأى القديس بورفيريوس وهو حيّ الطبقات الجيولوجية تحت الأرض، وعرفها أفضل من أيّ باحث في الزلازل، ورأى المجرّات والكون كلّه أفضل ممّا تراه التلسكوبات الفلكية الأكثر تقدّمًا، ورأى الخلايا وفيروسات الأمراض بتفصيل أكثر من أفضل المجاهر الإلكترونية.
في بداية سنة 1990 وقبل رقاده بوقت قليل، تنبّأ بالثورة التي ستجلبها شبكة الانترنت إلى البشرية. كان يقول: “كم سيكون جيّدًا أن تتكلّم الحواسيب بعضها مع بعض”. وإنّ عظمة الانترنت ترتكز فعلاً على هذه الميزة والوظيفة، حيث تتكلّم الحواسيب بعضها مع بعض في شبكة ضخمة متطورة.
مع ذلك، برأيي إنّ أعظم معجزة سُجِّلت للقديس بورفيريوس وأكثرها فرادة، وهي التي صدمت علماء التكنولوجيا والفيزياء، هي عندما قصّر الوقت، ليس لبعض أجزاء الثواني، الأمر الذي يناضل علماء الفيزياء لفعله اليوم بناء على نظرية النسبية وفيزياء الطاقة العالية، لكن لمدّة ساعة. في إيماننا المسيحي الأرثوذكسي، هناك إشارة واحدة إلى معجزة مماثلة تتعلق بالتدخل في الوقت، وهي في العهد القديم، حيث رفع يشوع بن نون يديه بشكل صليب ليثبّت الشمس، حتى يطول النهار للإسرائيليين فينتصروا على تلة جبعون. الاختلاف في حادثة القديس بورفيريوس هو أنّ تغيير الوقت حدث فقط بالنسبة إلى مجموعة من الراهبات، لا بالنسبة إلى العالم كلّه. يمكن أن يتم هذا التقليص للوقت بتطبيق نظرية النسبية على شيء يتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. وكوني تقني وعالم، هذا يجعلني عاجزاً عن الكلام لأنّ حتى ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الجسيمات متكتلة.
إنّ هذه المعجزة المذكورة شهدت عليها راهبات دير القديس يوحنا مكرينو في ميغارا ورئيسته الحالية، وهي مدوّنة في أحد الكتب العديدة التي تتضمن عجائب القديس. زارت هؤلاء الراهبات منسكه في ميليسي وأردن المغادرة للوصول إلى ديرهنّ قبل إغلاق الباب الخارجي. لكنّ القديس كان يمضي وقتًا طيّبًا ولم يرد أن يغادرن. قالت له الراهبات إنّ عليهنّ المغادرة، لكنه قال لهنّ: “ابقين وقتًا أكثر، اتركن الأمر لله”. أطَعْنَ القديس في النهاية، وغادرن متأخرات جداً في سيارة الأجرة. ولم تكن المغادرة سبب التأخير الوحيد، لكن أيضًا سائق السيارة الذي كان يقود بتمهل بسبب زحمة السير. يئست الراهبات من هذا التأخير لأنّهنّ سيصلن بعد مضي وقت طويل على إغلاق باب الدير. ولمفاجأتهنّ، وجدن أنهنّ وصلن إلى الدير في الوقت المناسب، وكأنّ ربع ساعة فقط انقضت منذ انطلاقهنّ من ميليسي. لقد حيّرتني هذه المعجزة لسنوات، لأنّها بالنسبة لي واحدة من قلائل التدخّلات العجائبية في الوقت المدوّنة في تقليدنا الأرثوذكسي، وتعجز المعرفة العلمية الحديثة المألوفة عن تفسيرها.
لن أشير إلى المساعدة التي قدّمها القديس وما زال يقدّمها بطريقة عجائبية منذ سنة 2001 لـ HELLASSAT ، ولا إلى عطاءاته المستبصرة الأخرى، والتي جعلت من تلقّوها عاجزين عن التعبير. بالاطّلاع على السنكسار الأرثوذكسي، نجد أنه لا يوجد قديس شفيع للبحث والتكنولوجيا، ولهذا أظن أنّ القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي يتميّز بحق أن يكون قديس العلم الحديث والتكنولوجيا.