إنّه فجر القيامة، والنسوة ذاهبات في طريقهنّ إلى القبر باكرًا جدًّا يحملن حنوطًا وكنّ يقلن في ما بينهنّ: «مَن يدحرج لنا الحجر؟» (مرقس ١٦: ٣)، لأنّ حجرًا كبيرًا وُضع على باب القبر، ويستحيل على النسوة أن يدحرجن الحجر بأنفسهنّ.
كثيرًا ما يبدو يسوع سجينًا في نفسي وكأنّه بلا حراك كما كان في القبر قبل القيامة. حجر خطاياي الكبير يجعله سجينًا. كم من مرّة اشتاقت نفسي إلى أن ترى يسوع قائمًا في نوره وقوّته. كم من مرّة حاولتُ أن أدحرج الحجر ولكن من دون جدوى. فثقل الخطيئة مع ثقل العادات المرتبطة بها كان أقوى بكثير. وكثيرًا ما قلت لنفسي بيأس: «مَن يدحرج الحجر؟».
النسوة ماضيات في طريقهنّ إلى القبر. اقترابهنّ من القبر عمل إيمانيّ. إيمانهنّ أو «جنونهنّ» نال مكافأة. وإن استمرّيت أنا أيضًا في هذا الرجاء المُلتهب سيُدَحرج الحجر.
لم تذهب النسوة إلى القبر بأيدٍ خاوية بل حملن طيوبًا ليدهنّ بها جسد المخلّص (مرقس ١٦: ١). وأنا عليّ أن أحضر شيئًا معي إن أردتُ أن يتدحرج الحجر عن باب قلبي. قد يكون ما أحضرتُه قليلاً جدًّا. لا بأس. المهمّ أن يكلّفني بعض التكلفة، لا بدّ من أن يكون فيه شيء من التضحية.
وجدت النسوة أنّ الحجر قد دُحرج بطريقة لم يتوقّعنها: «حدثت زلزلة لأنّ ملاك الربّ نزل من السماء ودحرج الحجر» (متّى ٢٨: ٢). لكي يتدحرج الحجر لا بدّ من معجزة، لا بدّ من زلزلة إذ إنّ دفعة بسيطة لا تكفي. هكذا أنا أيضًا فالحجر الذي يشلّ حركة يسوع في داخلي يحتاج إلى زلزلة، أي إلى انقلاب في نفسي عميق وإلى تحوّل جذريّ كامل. يحتاج الأمر إلى قذيفة من نور لتهزّني. هكذا يقوم المسيح فيّ إذ يزول إنساني العتيق ليُعطي مكانًا للإنسان الجديد. أمر مثل هذا يتعدّى الترتيب والتعديل. إنّه يستلزم موتًا ثمّ ولادة.
لقد أعلن الملاك للتلاميذ أنّ يسوع القائم من بين الأموات ينتظرهم في الجليل. يسوع نفسه حدّد الأمر لمّا قال للنسوة: «اذهبن وقلن لإخوتي أن ينطلقوا إلى الجليل وهناك يرونني» (متّى ٢٨: ١٠). لماذا هذه العودة إلى الجليل؟ هل قصد يسوع أن يحمي تلاميذه من عداوة اليهود؟ هل أراد أن يؤكّد لهم أنّ أيّام سلام وهدوء ستأتي عليهم؟ لعلّ هذا صحيح ولكن يبدو أنّ هناك سببًا أعمق.
قابل يسوع تلاميذه في الجليل وهناك سمعوا دعوته وانطلقوا وراءه. لا بدّ من أنّ ذكريات تلك الأيّام خلقت في نفوسهم شيئًا من النضارة والانتعاش، رعشة الحبّ الأوّل. ويسوع أراد أن يعيدهم إلى محبّتهم الأولى بعدما مرّوا في تجربة الشكّ والحزن واليأس.
هناك جليل في حياة كلّ منّا. جليلك هو حين أحسست بالربّ ينظر إليك ويدعوك باسمك. قد يكون هذا قد حصل منذ سنين طويلة قد تكون محمّلة بإهمال وفتور. يبدو الأمر كأنّك نسيت يسوع. لكن من التقى يسوع ولو مرّة واحدة، ولو لفترة خاطفة لا يستطيع أن ينساه أبدًا.
يسوع يدعوني كي أمضي إلى «جليل» حياتي وأحيا من جديد ذلك اللقاء الفرح المنعش. هناك سأراه من جديد. يا سيّد، سأعود إلى الجليل، ولكن هل سأقابلك هناك؟ كيف يشتعل قلبي وهو بارد مثلّج؟ كيف أستعيد فرح لقائي الأوّل بك؟
«هو يسبقكم إلى الجليل» (متّى