نستهلّ اليوم أعظم أسبوع فالسيّد، بعد أن أقام صديقه لعازر من بين الأموات، كان لا بدّ له من أن يصعد إلى أورشليم، وكان له أن يأتي المدينة العظيمة كفارس فاتح ولكنّه تألّق بالوداعة، جاء إليها راكبًا جحشًا قد طلب إلى تلاميذه أن يأتوا به، وذلك تنفيذًا لما قاله زخريّا النبيّ قديمًا: «لا تخافي يا أورشليم هوذا ملكك يأتيك راكبًا جحشًا ابن أتان».
ربّنا يدخل منسحقًا متواضعًا ويستقبله صبية يحملون أغصان الزيتون علامة للسلام الذي جاء يسوع يدشّنه في الأرض.
وما كان الدخول إلى أورشليم سوى توطئة لدخوله ملكوت أبيه ولتاريخ البشريّة أجمع. ونحن إذ نستقبله اليوم بأغصان الزيتون فإنّنا نشير إلى السلام الذي نرجو أن يحقّقه في أرواحنا. نستقبله داخلاً إلى قلوبنا، فهناك عرشه، وسوف يطهّرها كما طهّر الهيكل عندما وصل إلى أورشليم وقلب موائد الصيارفة.
وصل الربّ متطوّعًا إلى آلامه، وقد حيكت المؤامرة عليه لأنّه قال الحقّ. فمن أراد أن يكون الربّ وحده معبودًا لا بدّ له من أن يُضطهد حتّى الموت. ولكن قبل أن يذهب السيّد إلى الآب جعل لنا مائدة نتناولها معه عندما اجتمع مع رسله في العلّيّة وأعطاهم خبزًا قائلاً: «خذوا كلوا هذا هو جسدي»، ثمّ سلّم الكأس إليهم قائلاً: «اشربوا منها كلّكم هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يهرق عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا».
أقامنا في عهد له جديدًا وأدخلَنا إلى سرّه وجعلنا على صدره متّكئين، فأقام هذه الصلة الوثيقة، الصلة الطيّبة الحميميّة بيننا وبينه، حتّى لا تقضي علينا ظروف الدهر لعلمنا بأنّ لنا ميثاقًا مع يسوع.
ندخل إلى قلب السيّد في العشاء السرّيّ لنستطيع أن نشاهد آلام يسوع ونحن صالبون كلّ شهوة فينا ومرتفعون إلى العلى. وإذا أُعطينا أن نشاهد الصليب يربّينا الربّ على حبّه فلا نكون عبيدًا في ما بعد بل أحبّاء نعيش حسب الكلمة الجديدة التي أطلقها سيّدنا: أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم، وبهذا يعرف الكلّ أنّكم تلاميذي إذا كان لكم حبّ بعضكم لبعض».
إذا شاهدنا الآلام المحيية فإنّ الربّ سيقيمنا معه في فجر الفصح وفي كلّ فصح وكلّ يوم لنا قيامة. لسنا أمواتًا في ما بعد. قد قام ربّنا ونحن شركاء له في قيامته. نكون أسيادًا على الكون فإنّ الربّ رفعنا إليه وجعلنا فوق الدنيا.
المؤلم أنّ المسيحيّين لا يعرفون منزلتهم، ولا يفهمون أنّهم أعلى من الملائكة لأنّ يسوع جعلهم خلفاءه وأترابه وأصدقاءه وأجلسهم على عرش المجد.
إذا استطعنا أن نعبر هذا الأسبوع المبارك بنعمة تلي نعمة، فالله يقيمنا معه ويعطينا سلامه وهو مطيّب قلوبنا، حتّى نفهم أنّه فصحنا وبهاؤنا وأنّنا معه إلى الأبد في جمال وبرّ.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: فيليبّي ٤: ٤-٩
يا إخوة افرحوا في الربّ كلّ حين وأقول أيضًا افرحوا، وليَظهَر حِلْمُكم لجميع الناس فإنّ الربّ قريب. لا تهتمّوا البتة، بل في كلّ شيء فلتكن طلباتُكم معلومة لدى الله بالصلاة والتضرّع مع الشكر. وليحفظ سلامُ الله الذي يفوق كلّ عقل قلوبَكم وبصائرَكم في يسوع المسيح. وبعد أيّها الإخوة مهما يكن من حقّ، ومهما يكن من عفاف، ومهما يكن من عدل، ومهما يكن من طهارة، ومهما يكن من صفة محبّبة، ومهما يكن من حُسْن صيت، إن تكن فضيلة، وإن يكن مَدْح، ففي هذه افتكروا. وما تعلّمتموه وتسلّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فبهذا اعملوا. وإله السلام يكون معكم.
الإنجيل: يوحنّا ١٢: ١-١٨
قبل الفصح بستّة أيّام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الذي مات فأقامه يسوع من بين الأموات. فصنعوا له هناك عشاء، وكانت مرتا تخدم وكان لعازر أحد المتّكئين معه. أمّا مريم فأخذت رطل طيب من ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال أحد تلاميذه، يهوذا بن سمعان الإسخريوطيّ، الذي كان مزمعًا أن يُسْلمه: لمَ لم يُبَعْ هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويُعطَ للمساكين؟ وإنّما قال هذا لا اهتمامًا منه بالمساكين بل لأنّه كان سارقًا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه. فقال يسوع: دعها، إنّما حفظَتْه ليوم دفني. فإنّ المساكين هم عندكم في كلّ حين، وأمّا أنا فلستُ عندكم في كلّ حين. وعلم جمع كثير من اليهود أنّ يسوع هناك فجاؤوا، لا من أجل يسوع فقط، بل لينظروا أيضًا لعازر الذي أقامه من بين الأموات. فأْتَمَرَ رؤساء الكهنة أن يقتلوا لعازر أيضًا، لأنّ كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون فيؤمنون بيسوع. وفي الغد لمّا سمع الجمع الكثير الذين جاؤوا إلى العيد بأنّ يسوع آتٍ إلى أورشليم أخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه وهم يصرخون قائلين: هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربّ، ملكُ اسرائيل. وإنّ يسوع وجد جحشًا فركبه كما هو مكتوب: «لا تخافي يا ابنة صهيون، ها إنّ مَلِكك يأتيك راكبًا على جحش ابن أتان». وهذه الأشياء لم يفهمها تلاميذه أوّلاً، ولكن، لـمّا مُجّد يسوع، حينئذ تذكّروا أنّ هذه إنّما كُتبت عنه، وأنّهم عملوها له. وكان الجمع الذين كانوا معه حين نادى لعازر من القبر وأقامه من بين الأموات يشهدون له. ومن أجل هذا استقبله الجمع لأنّهم سمعوا بأنّه قد صنع هذه الآية.