اليوم، في كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة، نطوف بالإيقونات المقدّسة ونكرّمها. حصل هذا للمرّة الأولى في الأحد الأوّل من الصوم، السنة ٨٤٣، عندما قامت الملكة البيزنطيّة ثيوذورا تكرّم الإيقونات في الكنيسة، وكان هذا نهاية لحرب الإيقونات. اضطهد بعض ملوك بيزنطية الإيقونات أكثر من مئة سنة لأنّهم وقعوا تحت تأثير ديانة غريبة وحطّموا الإيقونات واضطهدوا الكنيسة والرهبان بنوع خاصّ شرّ اضطهاد وقع ضحيّته آلاف الشهداء. مسيحيّون كانوا يضطهدون مسيحيّين حتّى جاء المجمع السابع المسكونيّ وأعطى التعليم الصحيح عن الإيقونة قال: إنّ علاقتنا بالإيقونة علاقة إكرام وليست علاقة عبادة. ننحني أمامها ونسجد لها لا سجودًا عباديًّا بل سجودًا إكراميًّا.
كذلك علّم آباء المجمع أنّ الإكرام لا يعود إلى الخشبة التي الإيقونة مرسومة عليها ولا يعود إلى الألوان، لكنّ الإكرام يعود إلى الأصل، أي إلى المسيح المرسوم عليها بالدرجة الأولى ووالدة الإله والقدّيسين. من الواضح إذًا أنّنا لسنا عبّادًا لصور ولكنّنا مكرّمون للإله المُتَجسد ولأمّه ولأصحابه الأبرار. وهذا ما فهمه الكثيرون اليوم ولم يبقَ من مناقشة حول هذا الموضوع.
يُساعدنا على ذلك أنّنا نستعمل صورًا مسطّحة، غير نافرة، غير مشوّشة للذوق، يتقبّلها القلب والفهم. الوجوه هادئة كأنّها آتية من السماء. لأنّ السيّد وأصدقاءه القدّيسين هم في حضرة الله ويطلّون علينا بهذا الوضع الصافي الذي هم عليه في الملكوت. فنّ الإيقونات ليس كباقي الفنون، إنّه متعلّق بالملكوت، فنّ الملكوت يظهر إلينا في الكنيسة.
انطلاقًا من هنا سُمّي هذا الأحد الأوّل من الصوم، أحد الأرثوذكسيّة، أحد استقامة الرأي لأنّ الرأي المستقيم يفرض أن نكرّم الإيقونة. وقد أوضح الآباء هذا ولا سيّما القدّيس يوحنّا الدمشقيّ: إنّ التحريم الذي لحق بالتماثيل والصوَر في العهد القديم، في الوصيّة الثانية «لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة ممّا في السماء أو على الأرض.. ولا تسجد لها ولا تعبدها» (خروج ٢٠: ٤)، ورد هذا التحريم لأنّ الله غير منظور. فإذا صنعتَ صورة لله تكون هذه الصورة صنمًا لأنّ الله لم يرَه أحد قطّ. بعد أن جاء المخلّص، صار الإله منظورًا وملموسًا وهو يسوع المسيح في الجسد. وصار ممكنًا أن نرسمه.
من بعد هذا يُسمّْى هذا الأحد أحد الأرثوذكسيّة، والأرثوذكسيّة ليست صفة لطائفة معيّنة. الأرثوذكسيّة هي الكنيسة الجامعة المقدّسة الرسوليّة. ليس صحيحًا أن نُسمَّى طائفة، أي مجموعة من البشر، نحن كنيسة أرثوذكسيّة ولسنا مجموعة ناس. ولذلك لا يُقال طائفة أرثوذكسيّة ولكن يُقال كنيسة أرثوذكسيّة.
من أجل هذا نعتزّ بالإيمان الأرثوذكسيّ أي المستقيم، المحافظ على ما جاء إلينا من فم السيّد ومن أقوال تلاميذه. نعتزّ ليس فقط بالأيقونات ولكن بكلّ هذا الإيمان الذي ورثناه وحافظنا عليه جيلاً بعد جيل.
في الأحد الأوّل من الصوم نكرّم الإيقونات تجديدًا للذكرى ومحافظة على الإيمان. نُعلن اليوم إيماننا المستقيم ونتمسّك به. لا يبقى الإيمان بجهل أبناء الله. نحن نصرّ على إيمان قويم، ونصرّ أيضًا على فهم هذا الإيمان. تسلّمنا وديعة الإنجيل، نحافظ عليها بالفهم أوّلاً ثمّ بالتعليم والبشارة.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما(جبل لبنان)
الرسالة: عبرانيّين ١١: ٢٤-٢٦ و٢٤: ٢٦
يا إخوة، بالإيمان موسى لمّا كَبُر أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مختارًا الشقاء مع شعب الله على التمتّع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبرًا عار المسيح غنى أعظم من كنوز مصر، لأنّه نظر إلى الثواب. وماذا أقول أيضًا؟ إنّه يَضيق بي الوقت إن أََخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا الممالك، وعمِلوا البِرّ، ونالوا المواعد، وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار، ونجَوا من حدّ السيف، وتقوّوا من ضعف، وصاروا أشدّاء في الحرب، وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة فضلى؛ وآخرون ذاقوا الهُزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعزٍ وهم معوَزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالَم مستحقًّا لهم)، وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئا أفضل: أن لا يَكْمُلوا بدوننا.
الإنجيل: يوحنّا ١: ٤٣-٥١
في ذلك الزمان أراد يسوع الخروج إلى الجليل، فوجد فيليبّس فقال له: اتبعني. وكان فيليبّس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس. فوجد فيليبّسُ نثنائيلَ فقال له: إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء قد وجدناه، وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل: أمنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ فقال له فيليبّس: تعال وانظر. فرأى يسوعُ نثنائيلَ مقبلاً إليه فقال عنه: هوذا إسرائيليّ حقًّا لا غشّ فيه. فقال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبْل أن يدعوك فيليبّس، وأنت تحت التينة رأيتُك. أجاب نثنائيل وقال له: يا معلّم، أنت ابنُ الله، أنت مَلك إسرائيل. أجاب يسوع وقال له: لأنّي قلتُ لك إنّي رأيتُك تحت التينة، آمنتَ؟ إنّك ستُعاين أعظم من هذا. وقال له: الحقّ الحقّ أقول لكم إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر.