نقف في رهبة كبيرة أمام إنجيل اليوم وقد شاءت الكنيسة أن تُعدّنا به للدخول في صيام مبارك نمارسه في محبة وطاعة، والناس سيقفون أمام المسيح، وسوف تسطع محبته كاملة لامعة ولكنها صدّاعة. سوف تكون محبة المسيح جذّابة للذين أَحبّوا الفقر وأَحبّوا الإنسان، وسوف تكون كاسرة هدّامة للذين لم يُحبّوا أخاهم الإنسان.
محبّةُ المسيح إذا انكشفت للخطأة، المتوغلين في خطاياهم، المحبّين لمعاصيهم، سوف تحرقهم وتُفنيهم لأنهم هم أرادوا أن يحرقوا أنفسهم بالمآثم التي ألِفوها والتي أرادوها معشّشة في نفوسهم، مسيطرة عليهم.
سوف نمثُل أمام وجهه الكريم، وسوف نَمثُل مسحورين بجمال هذا الوجه إن سلّطنا أنواره علينا منذ الآن، أي إن دِنَّا أنفسنا الآن، وإن جعلناه هو الصديق المحبّ الحبيب، وإن كنّا معه في إلفة ووُدّ، إذ ذاك يرفع عنا الدينونة ليضُمّنا إلى صدره الأبوي. ولكن إن أردنا هنا أن نتعبّد لأنفسنا وأن نحب ذواتنا على الفقراء، عندئذ نكون قد دِنّا أنفسنا. الله لا يدين ولكن الحقيقة تدين، الحقيقة سوف تظهر كاملة وسوف نُعَرّى ونشاهد أنفسنا إمّا عُشراء الله أو أعداء الله، ولذلك لنا منذ الآن أن ندخل في هذه المعاشرة الحلوة الطيّبة حتى لا نكون معادين.
على ماذا نُدان؟ ماذا سيتكشّف منا عند ذاك؟ كلمة واحدة قالها يسوع: إن أَحببتم المحتاجين تكونوا قد أحببتموني، وإن نسيتموهم أو لم تبصروهم تكونوا قد نسيتموني. ماذا نفعل الآن في الدنيا؟ شيئًا واحدًا فتّاكًا نفعله: المريض لا نراه، والسجين لا نراه، والفقير لا نراه…
لذلك سوف يحاكمنا المسيح لأننا لم نُبصر، لأننا لم نرَ الفقراء حيث هم، لم نرَ المريض مرميا على سرير المرض، ولم نرَ الجاهل يفتُك فيه الجهل، ولم نبصر الخاطئ، وبقينا مرتاحين. «ويل للمستريحين في صهيون وللمطمئنّين» (عاموس ٦: ١). هكذا قال الأنبياء: كلّ فقير سوف يُطلب منّا، كل مريض وكل محتاج. فالناس في وحدة وهُم بحاجة إلى الحب. كلّهم محرومون محبّة وحنانا. الإنسان الذي لا يرى الحنان من حوله يحيا في عزلة رهيبة. كل إنسان يعيش في عزلة، كل إنسان وحده.
المؤمن ليس فقط من يلتفت إلى الله، فالله ليس بحاجة الينا. نصلّي ليس لأنه بحاجة، لكن لنربح نحن، لنستفيد من حوار نُقيمه معه. نريد الصلاة لكي يروّضنا الله على الحب. الله ليس بحاجة إلى الدعاء، نحن بحاجة إلى الدعاء.
ولكن، إن التفتنا إلى وجه الله، يردُّنا وجهه إلى وجوه الناس. فالله يريدنا أن نكون مع الناس، ويريدنا في الدرجة الأولى أن نجعل الإنسان الوحيد المعزول ألّا يحسّ بعزلته. هذه خبرة لنا جميعًا. ليس من إنسان يُحَبّ بقدر كاف، ولهذا أَعطُوا وتدفّقوا. أَعطوا كل يوم ساعات من الحب للناس الذين من حولكم حتى لا يعيشوا محرومين. وعندئذ لن يدينكم الله بل يرفعكم أمام وجهه فوق كل شيء، ويضمّكم إلى صدره.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ١كورنثوس ٨: ٨-٩: ٢
يا إخوة ان الطعام لا يُقرّبنا إلى الله، لأنَّا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص. ولكن انظروا أن لا يكون سلطانكم هذا معثرة للضعفاء، لأنه إن رآك أحدٌ، يا من له العلْم، متّكئا في بيت الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه وهو ضعيفٌ على أكل ذبائح الأوثان، فيَهلكُ بسبب علْمك الأخُ الضعيف الذي مات المسيحُ لأجله. وهكذا إذ تُخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضمائرهم وهي ضعيفة إنما تُخطئون إلى المسيح. فلذلك إن كان الطعام يُشكّكُ أخي فلا آكل لحما إلى الأبد لئلا أُشكّك أخي. ألستُ أنا رسولا؟ ألستُ أنا حرا؟ أما رأيتُ يسوع المسيح ربنا؟ ألستم أنتم عملي في الرب؟ وإن لم أكن رسولا إلى آخرين فإني رسول إليكم، لأن خاتم رسالتي هو أنتم في الرب.
الإنجيل: متى ٢٥: ٣١-٤٦
قال الرب: متى جاء ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على عرش مجده، وتُجمع اليه كل الأمم، فيُميّز بعضَهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، ويُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. حينئذ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي رثوا المُلْك المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم لأني جُعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني وكنتُ غريبا فآويتموني وعريانا فكسوتموني ومريضا فعُدتموني ومحبوسا فأَتيتم إليّ. حينئذ يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا رب متى رأيناك جائعا فأطعمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناك غريبا فآويناك أو عريانا فكسوناك، ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا اليك؟ فيُجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه. حينئذ يقول أيضا للذين عن يساره: اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدّة لإبليس وملائكته، لأني جعتُ فلم تُطعموني وعطشتُ فلم تسقوني وكنتُ غريبا فلم تؤووني وعريانا فلم تكسوني ومريضا ومحبوسا فلم تزوروني. حينئذ يُجيبونه هم أيضا قائلين: يا رب متى رأيناك جائعا أو عطشانَ أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نخدمك؟ حينئذ يجيبهم قائلا: الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه. فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ، والصدّيقون إلى الحياة الأبديّة.