كانت الكنيسة الأولى تحتفل بعيدَي الميلاد والظهور الإلهي معًا في السادس من كانون الثاني حتى القرن الرابع حين صار فصلُ عيد التجسّد الإلهي (الميلاد) عن عيد الظهور الإلهي (الغطاس، ظهور الله في البشر وبدء بشارته) تدريجيًا في الغرب والشرق. فقد رتّبت الكنيسة الاحتفال بعيد ميلاد الرب بالجسد في الخامس والعشرين من كانون الأول للتأكيد على عقيدة التجسّد الإلهي (صار إنسانًا) في وجه الهرطقات التي كانت تُحاول إنكار ناسوت المسيح، ولضرب عبادة الإله-الشمس الذي كان الوثنيون يحتفلون في هذا اليوم بعيد ميلاده في يوم الانقلاب الشتوي (حين يكون النهار، بعد أن وصل الى أدنى مستوياته، قد بدأ بالازدياد على حساب الليل).
يأتي عيد ختانة الرب بالجسد ضمن سياق الفصل بين عيدَي الميلاد والظهور الإلهي، في اليوم الثامن لميلاد يسوع: «ولما تمّت ثمانية أيام ليختنوا الصبي، سُمّي يسوع، كما تَسمّى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن» (لوقا ٢: ٢١)، لذلك عندما بدأت الكنيسة بالاحتفال بهذا العيد في القرن الخامس، عيّنت الأول من كانون الثاني (بعد ثمانية أيام من الميلاد) موعدًا له. هو أولاً عيد اسم «يسوع» (أي الله يُخلّص)، وثانيًا اختتانه بالجسد بحسب الشريعة ودخوله في شعب الله بحسب العهد الذي قطعه الله لأبرام الذي غيّر اسمه الى إبراهيم (أي أب بالجمع، أب لجمهور من الأمم): «هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يُختن منكم كل ذَكَر. فتختنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يُختن منكم كل ذكر في أجيالكم» (تكوين ١٧: ١٠-١٢). هذه «العلامة» الجسدية ليست مجرد علامة انتماء الى مجموعة إثنيّة (اليهود)، ولكن طابعها دينيّ روحيّ بامتياز، إذ نراها مشروطة بالوصية: «ظهر الرب لأبرام وقال له: أنا الله القدير. سِرْ أمامي، وكُن كاملاً» (تكوين ١٧: ١). لاحقًا ستتعمّق روحانية مفهوم الختان بعد إعطاء الشريعة لموسى: «ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك، لكي تحبّ الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا» (تثنية ٣٠: ٦). وكما يصحّح إرمياء النبي: «اختتنوا للرب وانزعوا غُرْلَ قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم، لئلا يخرج كنارٍ غيظي، فيحرق وليس من يطفئ، بسبب شر أعمالكم» (٤: ٤). تُبرز هذه الشهادات الكتابية إساءة ممارسة شريعة الختان وحصرها شكليًّا بالتطبيق الجسديّ السطحيّ لدى معظم اليهود القدماء.
تمّم يسوعُ المسيحُ شريعةَ الختان بالجسد بحسب إنجيل العيد، متبنيًا كامل الطبيعة البشرية، ليُصالحنا في ذاته مع الله «ليكون هو نفسه الكلَّ والأوَّل في كلِّ شيء» (كولوسي ١: ١٨)، بحيث إنه، من بعد قيامته وصعوده المجيد، يُبطل الختان الجسدي ويُستبدل بالمعمودية والميرون علامة عهد الله الجديد وختْمه، كما تؤكد قراءة رسالة العيد: «وبه أيضا خُتنتُم ختانًا غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشرية، بختان المسيح، مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أُقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله، الذي أقامه من الأموات» (كولوسي ٢: ١١-١٢). وكان بولس في نضاله ضد المتهوّدين في كل مكان يؤكّد: «لأن اليهوديّ في الظاهر ليس هو يهوديًا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانًا، بل اليهوديّ في الخفاء هو اليهوديّ، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان، الذي مدحُه ليس من الناس بل من الله» (رومية ٢: ٢٨-٢٩)، وللكورنثيين: «ليس الختان شيئًا، وليست الغرلة شيئًا، بل حفظُ وصايا الله» (١كورنثوس ٧: ١٩)، ولكنائس غلاطية: «لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة» (٥: ٦)، و «لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة» (٦: ١٥).
في طقوس شريعة الختان في العهد القديم، يُقطع جزء بسيط من الجسد؛ في الختان المسيحيّ -المعمودية- يُمات كل جسد الخطيئة لنحيا لله. يوجز ذلك الأرشمندريت ليف (جيلله) في كتابه «سنة الرب المقبولة» بقوله «على ختان القلب (أي المعمودية) أن يصل الى كل أفكارنا، وشهواتنا، ومشاعرنا، ليستأصل منها كل ما يتعارض مع الله».
يبقى أن نتذكر أن عيد اليوم، في اليوم «الثامن» -حامل صورة الدهر الآتي-، حين نُعطى اسمًا جديدًا، ويُسجَّل في عهد الله الجديد المعمَّد بدمه المحيي، بختن قلوبنا وأجسادنا من أرجاس الخطيئة: هذا يُعطى لنا تذكارًا أسبوعيًا، عند مشاركتنا في القدّاس الإلهي في اليوم الثامن، تجديد ختان قلوبنا واتّحادنا بجسد المسيح ودمه المُمجَّدَين.