الله لا يعمل وحده كلّ شيء. يريدنا أن نعمل معه، غير أنّه هو المبادر إلى سكب النعمة علينا. لذلك يقول بولس: «أنتم حرْث الله وبناء الله». هو الحارث في أرضنا ونحن بناؤه. ولكن يذكّر بولس، بما أنّه رسول أي حامل تفويضًا من الله بالنعمة، بأنّه هو وضع الأساس في الكنيسة وآخر أي كلّ مؤمن يبني على هذا الأساس. أي أساس يضع بولس؟ يجيب: الأساس يسوع المسيح. كلّ شيء يوضع على هذا الأساس، ذهب أو فضّة أو حجارة ثمينة أو خشب أو حشيش أو تبن.
عمل كلّ واحد سيكون بيّنًا لأنّ الربّ سيُظهره في يوم الدين «لأنّه يعلن بالنار» أي بالتمحيص الإلهيّ. إذ عمل كلّ إنسان يبيّنه الله. فمن بقي عمله بعد الفحص الإلهيّ سينال أجرة. ثمّ يقول الرسول: «من احترق عمله فسيخسر وسيَخْلُص هو، ولكن كمن يمرّ في النار». والمعنى أنّه لن يخلص لأنّ النار لا تبقي على أحد أو على شيء.
ويدعم بولس موقفه هذا بقوله: «أما تعلمون أنّكم هيكل الله وأنّ روح الله ساكن فيكم؟». يسكنكم الله بالمعموديّة والميرون والقرابين المقدّسة، فكيف تُفسدون بالخطيئة هيكل الله كأنّكم لم تتعمّدوا ولم تقتبلوا مسحة الميرون ولم تتناولوا جسد الربّ ودمه ولم تطهّروا بالإنجيل وضميركم الحيّ.
ثمّ يُصعّد بولس لهجته بقوله: «من يُفسد هيكل الله (بالخطيئة) يُفسده الله لأنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم». أنتم بصيغة الجمع تعني أنّنا كنيسة الله أو هيكله.
من هنا إنّ ارتكاب الخطيئة استهتار بعطاء الله الذي ثمرته طهارتنا. «نباهة النفس» كما يقول قدّاس يوحنّا هي التي تجعلنا واقفين أمام كلّ إغراء، لأنّنا إذا أحببنا الله حتّى النباهة نكون قد ورِثنا كمال ملكوت السموات كما يقول الذهبيّ الفم بعد الاستحالة. القربان هو ميراثنا الملكوت منذ الآن، والقربان هو الذي يحيينا أي يحيي العظام وهي رميم لأنّ الروح القدس حاضنها وهي في القبر وهو الذي يقيمها في اليوم الأخير.
وهنا يجب أن نذكر قول القدّيس غريغوريوس بالاماس أنّ لنا قيامة أُولى وهي المعموديّة، ويجب أن نذكر أيضًا كلام السيّد لمرتا أخت اليعازر: «أنا هو القيامة والحياة»، أي أنّ هذه القيامة الأُولى مستمرّة إذا أحببنا يسوع فتأتي القيامة الأخيرة ثمرة لهذا الحبّ الموصول الذي لنا ليسوع.
المبتغى إذًا ألّا ننسى محبّتنا الأولى ولا نخون ولا نبدّل محبّتنا للسيّد بمحبّات باطلة لا توصلنا إلى السماء. لنا في هذه الدنيا مودّات وارتباطات شرعيّة كما في الزواج، ولكن كلّ هذه إن لم تكن على طريق محبّتنا للربّ تكون مدمّرة وباطلة. هي كلّها قائمة فقط إن كانت انعكاسًا لحبّنا للحبيب الوحيد. كلّنا -أيًّا كان وضعنا في الحياة- لا نثبت إلّا إذا استجبنا للمحبّة التي يحبّنا بها المخلّص. لنا أن نرى لنا أحبّة، ولكن تبقى عيوننا موجّهة إلى عيني المسيح. إنّ نظره إلينا هو الذي يجعلنا صامدين في محبّته إلى أن نصبح جسده الكامل عند القيامة الأخيرة.