كان القديس ديونيسيوس الكبير بابا الإسكندرية ما بين عامي 248 و264. في تلك الفترة عانت كنيسة الإسكندرية من اضطهاد مريع. وما أن انتهى الاضطهاد حتى ضرب المدينة وباء مع اقتراب عيد القيامة. وصف القديس ديونيسيوس هذا الوباء وردة فعل الكنيسة في رسالة إلى بعض أبنائه خارج الاسكندرية. إنها رسالة مناسبة في هذه الأيام فيما الكنيسة تحاول التعاطي مع جرثومة الكورونا، وذلك فيما نحن نستعد للقيامة. أورد هذه الرسالة إفسابيوس في تاريخ الكنيسة، الفصل السابع:ـ “لاحقاً عندما تبع الحربَ الوباء القاسي فيما كان الاحتفال (القيامة) يقترب، تواصل ديونيسيوس كتابةً مع الجماعة المسيحية كاشفاً أهوال الكارثة:ـ لا يعتقد الآخرون أن هذا وقت للاحتفال… الآن، للأسف! كل شيء هو رثاء، الجميع في حداد، والمدينة صاخبة بالنوح بسبب أعداد الذين ماتوا ويموتون كل يوم. الوضع يشبه ما يخبره الكتاب المقدس عن أبكار المصريين، لذلك هناك صرخة عظيمة الآن: لا يوجد منزل ليس فيه ميت واحد – وكم كنت أتمنّى لو كان واحدًا فقط!ـ لقد حدثت لنا العديد من الأشياء الفظيعة حتى قبل ذلك. في البداية كنا مُداسين يحاصرنا المضطهدون والقتلة، ومع هذا كنا الوحيدين الذين حافظوا على الاحتفال في ذلك الحين. كل مكان تعرضنا فيه لهجوم أصبح لنا مكانًا للاحتفال، سواء أكان ميداناً أو صحراء أو سفينة أو نزلاً أو سجناً. أبهرُ المواسم على الإطلاق كان احتفال الشهداء الذين عيّدوا. من ثمّ جاءت الحرب والمجاعة التي ضربت المسيحيين والوثنيين على حد سواء. كان علينا وحدنا أن نتحمل الإصابات التي تسببوا بها لنا، لكننا استفدنا مما فعلوه لبعضهم البعض وما عانوه على أيدي بعضهم البعض؛ ولذلك ومن جديد وجدنا الفرح في السلام الذي أعطاه المسيح لنا وحدنا. ولكن عندما سمح لنا ولهم بحيّز صغير للتنفس، جاء هذا المرض من العدم، وهو أمر أكثر رعبًا لهم من أي إرهاب، ومخيف أكثر من أي كارثة مهما كانت، وكما كتب أحد مؤرخيهم (ثوسيديديس) ذات مرة: “الشيء الوحيد الذي تجاوز كل التوقعات”. لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لنا، بل كان تعليمًا واختبارًا قيمًا كمثل جميع تجاربنا السابقة؛ لأنه لم يغلبنا رغم أن تأثيره الكامل سقط على الوثنيين …ـ غالبية الإخوة المسيحيين أظهروا محبة لا حدود لها والتزاماً، غير موفّرين ذواتهم ومفكّرين فقط ببعضهم البعض. من دون خوف من الخطر، اخذوا المرضى على عاتقهم مهتمّين بكل حاجاتهم وخادمين لهم في المسيح، ومعهم تركوا هذه الحياة فرحين بصفاء؛ لأنهم أصيبوا كالآخرين بالمرض آخذين على أنفسهم مرض إخوتهم مقتبلين آلامهم بسعادة. كثيرون، في تطبيبهم وشفائهم للآخرين، نقلوا موت الآخرين إلى أنفسهم وماتوا في أماكنهم، عاكسين الصيغة المشتركة التي هي بالعادة مجاملة فارغة في الحقيقة: إن عبدك المتواضع يقول لك وداعاً. أفضل إخوتنا خسروا حياتهم بهذه الطريقة، عدد من الكهنة، الشمامسة، والعلمانيين الذين كسبوا ثناءً، حتى أن الموت بهذا الشكل، نتيجة لتقوى عظيمة وإيمان قوي، يظهر بشتّى الطرق مساوياً للشهادة. بأيدي مريدة رفعوا أجساد القديسين إلى أحضانهم؛ أغلقوا أعينهم وأفواههم، حملوهم على أكتافهم وأضجعوهم؛ تعلّقوا بهم، عانقوهم، غسلوهم، ولفّوهم بأكفانهم. وسريعاً بعد ذلك أقيمت لهم الخدمة نفسها لأن الباقين يتبعون السابقين.ـ الوثنيون تصرفوا بصورة معاكسة تماماً. عند أول ظهور للمرض، أبعدوا الذين يعانون وابتعدوا عن أحبائهم، رموهم في
الطرق قبل أن يموتوا وعاملوا الجثث غير المدفونة كالقذارة، معتقدين أنهم يوقفون انتشار المرض القاتل وعدواه؛ ولكن مع كل ما عملوه، وجدوا النجاة عسيرة.”ـ