في الأحد الثاني بعد الفصح تضع الكنيسة أمامنا عملَ حاملات الطيب، لتقول لنا إنّ المحبّة الأخويّة تضمّد جراحَ آلامِ هذا العالم وتبشّر بقيامة يسوع المسيح. فبعد تسليم يسوع وصلبه هرب التلاميذ وتخلّوا عن المسيح وانغلقوا في مخادعهم خوفًا من اليهود. من جهة أخرى بقيَتْ النساءُ اللواتي تَبعْنَه قرب الصليب في اللحظات الصعبة. وبعد موت يسوع، أتين ليدهنَّ جسده غير خائفاتٍ من أن يعرف اليهود أنّهنّ من أتباعه. هكذا ثَبَتَتِ النساء في محبّتهنّ الأخويّة، مواجهاتٍ واقع الألم، غير منغلقاتٍ في مخادعهنّ، فأوضحن لنا عبر عملهنّ هذا، الطريق الذي يجب أن نسلكه لمواجهة الأزمات التي تعصف بنا من كلّ حدبٍ وصوب.
كيف نواجه هذا الواقع المتأزّم؟
في ظلّ هذا الوضع الصعب وإزاء تراكم الأزمات التي تزيد من آلام هذا العالم المجروح، يسأل الإنسان المسيحيّ نفسه هذا السؤال: كيف أواجه هذا الواقع؟ قد نسمح لهذه الأزمات بالتغلّب علينا فنعيش في خوفٍ دائم حول مستقبلنا، فنجنح تاليًا إلى نكران واقعنا المتألّم فننطوي على ذاتنا ونغلق بابنا، في محاولة لحماية أنفسنا وعائلاتنا، تمامًا كما فعل الرسل. إن سلكنا بهذه الطريقة سيتملّكنا الخوف ويسيطر علينا فلا نهتمّ حينها إلّا في كيفيّة تخليص أنفسنا. فلا نعود نلتفت بعدئذٍ سوى إلى حاجاتنا ومعاناتنا متناسين أوجاع من هم في ألمٍ أعظم من أوجاعنا. هذا المسار، إن سلكنا بحسبه، لن يبدّل شيئًا من هذا الواقع بل سيزيده نزفًا وألمًا.
عمل حاملات الطيب كنموذج
من جهة أخرى يعطينا تذكارُ هؤلاء النسوة، حاملاتُ الطيب، نموذجًا كيف يمكن لنا أن نواجه هذا الواقع. فمحبّة تلك النسوة الجريئة للسيّد دَمَّرَتْ حاجزَ الخوف وأدخَلَتْ نورَ المسيح القائم إلى قلوب رسله المتألّمين. هذه الجرأة في الحبّ تبدّل أيّ واقعٍ أليم وتحيي خبرة القيامة في نفوس من يعاني.
كلّنا حاملو طيب المحبّة الأخويّة
إذًا رغم الظلال التي تخيّم على واقعنا إلّا أنّ رجاءنا بقدرة الله المحيية غير محدود، فكما غيّر الله واقع البشريّة المرير بمحبّته القصوى لنا، هكذا نحن سنضمّد جراح الواقع بطيب محبّتنا الأخويّة تجاه بعضنا البعض، وتجاه من يعاني ويتألّم. قد نعتقد أنّ واقعنا المجروح يستنفد قوّتنا في الحبّ فيعطينا سببًا للانطواء على أنفسنا في مخادع أنانيّتنا، إلّا أنّ النسوة حاملات الطيب يذكّرننا اليوم بأنّ واقعنا هذا لا يستنفد قوّتنا في الحبّ، بل على عكس ذلك، سيثبّت هذه القوّة ويعزّزها ويغذّيها في قلوبنا لتصير بلسمًا شافيًا يداوي آلام المعذَّبين. هكذا إذًا، بتبنّينا ضعفات الآخرين وحاجاتهم، نصيرُ، كما كانت حاملات الطيب، حاملي طيب المحبّة الأخويّة التي تطيّب جراح آلام هذا العالم.
إذًا، أهَّلت المحبّة الأخويّة النسوة ليضمّدن جراح واقعهنّ المجروح وليصبحن مبشّرات بقيامة الربّ يسوع. هكذا، نحن أيضًا، ستؤهّلنا محبّتنا الأخويّة، لنصبح مبشّرين بقيامة الربّ إذ نُدخل نور المسيح القائم إلى قلوب المتألّمين ونضمّد جراح واقعهم المرير.
Raiati Archives