التلميذ: لفتني هذا القول، سُئل رجل مرّة: «ماذا أحرزتَ من صلاتك الدائمة إلى الله؟». أجاب الرجل: «لا شيء لكن دعني أخبركَ ماذا خسرتُ: الغضب، الجشع، القلق، والخوف». تذكّرته اليوم في موضوعنا عن الغضب.
المرشد: جميل هذا القول، أحيانًا الجواب لصلاتنا ليس أن نحرز بل أن نخسر، وتكون هذه الخسارة هي أفضل المكاسب. وفي معظم الأحيان تنصحنا الكنيسة بأن نمارس الفضائل لكي نعالج بعض الأهواء، على سبيل المثال ينصح القدّيس يوحنّا السلّميّ بالتسلّح بالمحبّة والوداعة والصبر، ويؤكّد بوضوح أنّ «الذي عنده الحبّ الحقيقيّ لأخيه، يدحض الغضب من نفسه». ربّما بإمكانك الآن أن تعطيني مثلًا عن هذه الوسيلة لمحاربة الأهواء؟
التلميذ: هي واردة أيضًا عند القدّيس يوحنّا السلّميّ: «إنّ التواضع يُقصي من النفس كلّ الحركات والسبل التي تثير الغضب».
المرشد: جيّد، من المفيد أن نعلم أنّ علاج الغضب يتطلّب صبرًا كبيرًا، ونستطيع أن نكتسبه بمحبّتنا لله الذي يجعلنا نقتدي بالمسيح، الذي أمام نكران الجميل والإهانات حافظ على الصبر وتعرّض للموت. ظلّ صبورًا من دون أن يُلقي اللومَ على أحد. يأتي الصبر أيضًا من محبّة القريب، ولكن قبل كلّ شيء من التواضع لدرجة أنّ القدّيس كاسيانوس يؤكّد «أنّه لا يأتي من أيّ مصدر آخر».
التلميذ: ألمْ يغضبْ يسوع المسيح عندما دخل الهيكل وطرد الباعة منه؟
المرشد: دعْني أخبرك شيئًا قبل أن أجيب سؤالك. وضع الله الغضبَ فينا لنردّ به عن نفسنا ما يهدف إلى إبعادنا عن الله، أي أنّ الله أوجد الغضب من أجل غايةٍ حميدة في الأساس. لكنّ آدم وحواء لم يستعملا الغضب المزروع فيهما لردع الشيطان فحينها سقطا في الخطيئة. ومنذ ذلك الحين فقد الغضبُ غايته السامية وأصبح أداةً لتجريح الأخر وإعلاء الذات. من هنا نفهم تصرّف يسوع في الهيكل: فهو لم يغضبْ إلّا غيرةً لله ودفاعًا عن الحقّ وحفظًا لخليقة الله. يكون غضبُنا مقبولًا عندما يُشبه غضب يسوع.
الصوم غدًا
تأمّل للمطران جورج (خضر)
هدف جهادنا في أيّام الصوم الأربعينيّ أن نتشبّه بجهاد الربّ يسوع وأن نتّخذه شرعة لنا. إنّه متأصّل في أقدم وصيّة لله «لا تأكلا» أُعطيت في الفردوس قبل السقوط. فالأكلة الأُولى المحرّمة صارت سبب الموت للجنس البشريّ، وبدلًا من موهبة الحياة التي رفضها الإنسان ورث الموت والغربة عن النعمة. لقد عصى الإنسان الأوّل فمات، وأطاع الإنسان الثاني، أي الربّ يسوع، تكميلًا لطاعته للآب. صام السيّد لينقذنا من العصيان الذي دشّنته أكلة. في كلّ ذلك محورنا المسيح. إنّه هو المنبسط في وسط صيامنا، وإليه نذهب كلّ يوم فيه.
فالطعام بحدّ ذاته لا يزيدنا برًّا ولا يَنقُص به برّنا، ولكنّه يعني أنّه كما كان الطعام رمز الحياة، وكما كان حرمان الطعام رمز الموت، هكذا إذا صُمنا عن أشياء هذا العالم نموت عند أهل العالم، ولكنّا بعد ذلك نذوق الطعام الإلهيّ أي الحياة في الله.
هذا الإمساك كلّه لا يُجدي ما لم يقترن بالتوبة والصلاة والتنكّر للشهوات. «الصوم قهر لرغبات الجسد، ابتعاد عن الأفكار الشرّيرة، تحرّر من التخيّلات المذنبة، طهارة للصلاة، نور للنفس، يقظة للعقل» (سُلّم الفضائل، القدّيس يوحنّا السُلّميّ). الاقتران بين الإمساك الجسديّ والإمساك الروحيّ اختبرته الأجيال البارّة والصالحون اليوم. فالصلاة العميقة غير ممكنة بلا إعراض عن الشراهة، بلا تعفّف. الحرّيّة من وطأة الطعام بداءة الحرّيّة الروحيّة.
في هذا تواضُع لأنّنا نُقرّ في صيامنا أنّنا بحاجة إلى ضبط النفس وقمع الهوى. يدّعي الكثيرون أنّهم ليسوا بحاجة إلّا إلى صوم اللسان. هذا شأنهم لأنّهم لم يذوقوا المواهب الإلهيّة التي تنزل على الصائمين، ولا يعرفون فرح الممسكين وتصاعُدهم على معارج النسك. منعنا آباؤنا من أن ندين من لا يصومون، وسيقبلهم الله في فرح القيامة، ولكن ليس عليهم أن يتبجّحوا أو أن يُسيئوا إلى فكرة الجهاد الروحيّ الذي نلجه منذ يوم غد.