التلميذ: ألاحظ أنّ في أيّامنا هذه، كَثُرَ التذمّر وأصبح متفشّيًا جدًّا. فهذا يتذمّر من فقرٍ، وذاك من جوعٍ، وآخر من مرضٍ، وغير ذلك.
المرشد: ملاحظتك في مكانها، فإنّنا نعيش أيّامًا شديدة الصعوبة. ونحن نتذمّر ونضع اللوم على الله في كلّ الأمور التي نواجهها. اسمعْ ما يقوله القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في هذا الشأن: الخلل ليس في الحوادث الطبيعيّة وهي ليست سبب قلقنا، إنّما الخلل في أنفسِنا نحن وفي كيف نقرّر مداورة الأمور. ألا تلاحظ أنّ الغنيّ والفقير، المريض والمعافى، أصحاب العيال الكثيرة والذين لا ولد لهم، كلّهم يتذمّرون. إذًا أين تكمن المشكلة؟ في مجرى الأشياء أم في أنفسنا؟
التلميذ: فهمْتُ أنّ المشكلة لا تكمن في ظروف حياتنا. لكن لم أفهمْ كيف يمكن أن تكون المشكلة في أنفسنا.
المرشد: يعطينا القدّيس عينه مثلًا بسيطًا لنفهم ذلك. إذا كانت معدتُنا سليمةً، فهي تحوّل الأطعمة، مهما كانت عسرة الهضم، إلى مادّة مغذّية. لكنّها إذا خلت من القوّة، فإنّك تفضّل أن تقدّم لها ألطف الأطعمة، ومع ذلك فهي تفسده بسبب ضعفها. هكذا نحن، إذا كانت أنفسُنا في تمام قوّتها، أي مُسلَّمة للربّ شاكرةً إيّاه على الدوام، لا نضطرب من جرّاء ما يأتي. لكنّها إذا كانت معرّضةً للتشوّش، فإنّها لن تقوى على الشدائد مهما كانت صغيرة.
التلميذ: هل تقول لي إنّنا نكون شاكرين للربّ حتّى في المِحن؟
المرشد: بالتأكيد. هل تعلم المثل الشعبيّ القائل: «يلّي بشوف مصيبة غيره بتهون مصيبته»؟ ربّما لو نحن ندرك تمامًا الأمور التي أنعم الله بها علينا، لما كففْنا لحظةً واحدةً عن شكرانه. فهو أنعم عليْنا بسقفٍ نعيش تحته، بطعامٍ يغذّينا، بماءٍ تروينا، بثيابٍ تدفئنا، بعائلةٍ نشعر بحبّها، بيدين نعمل بهما، برِجْلَيْن نتحرّك بهما، بعينيْن نرى جمال خلقه بهما، بأذنيْن نسمع صوت أحبابنا بهما. لو عددْنا كلّ نِعَمِ الله علينا لما انتهيْنا أبدًا. إذًا نعم، نشكر الله في كلّ حينٍ، وهو ليس سبب حدوث الشدائد في حياتنا، فهذا من طبيعة حياتنا الفانية، إنّما هو سبب وجود كلّ ما هو جميلٌ في الدنيا.