(Ματ.4:12)
ضبط متّى ساعة بدء يسوع كرازته العلنيّة على وقع إلقاء القبض على يوحنّا المعمدان: «ولـمّا سمع يسوع أنّ يوحنّا أُسلم، انصرف إلى الجليل» (متّى ٤: ١٢). كانت الناصرة مكان إقامة يسوع منذ أتاها من مصر وهو طفل، ومنها انتقل في الثلاثين إلى كفرناحوم، والتي تقع شمال بحيرة طبريّا، شمال فلسطين.
(Ματ. 4:16)ذهب يسوع إلى الجليل ليخاطب شعبه من منطقة حدوديّة يعيش فيها خليط من الأمم، ولا يشكّل اليهود سوى حفنة صغيرة من أهلها. لذا فهي تمثّل بحقّ المكان الذي ينطبق عليه وصف إشعياء النبيّ الذي يستشهد به متّى: «الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور» (متّى ٤: ١٦). بالطبع النور المقصود به هو اعتلان الإله الحقيقيّ في وسط عالم تغرّب عن معرفته وانغمس في الجهل، واختار عبادة آلهة من صنعه وارتاح إلى الخطيئة فيه.
(Ματ.4:17)اختار يسوع أن يردّد على مسامع شعبه، وعلى مسامعنا، العبارة عينها التي أطلقها المعمدان في معرض تهيئة شعب إسرائيل لقدوم المسيّا: «توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السماوات» (متّى ٤: ١٧). قد يظنّ المرء أنّ في الأمر تردادًا وما من جديد. ولكنّ الحقّ يُقال إنّ يوحنّا سألنا أن نعترف بخطايانا حتّى نحصل على غفرانها بيسوع. فالأوّل أعلن أنّ زمن الخلاص على الأبواب، أمّا الثاني فكان هو هذا الباب الذي انفتح لندخل منه ولن ينغلق إلى الأبد.
مع يوحنّا، كان هناك اعتراف بالخطايا، أمّا مع يسوع فأتى الغفران الذي يلي الاعتراف بها. إنّه الغفران الذي يمنحه الروح القدس للمؤمن، فيصير قائمًا في النور وفي كورة الحياة، عوضًا من أن يكون قابعًا في الظلمة أو مستكينًا لأنواع الموت التي تلهيه عن رؤية الحقيقة. فهل يمكن أن تعني الكرازة بملكوت الله شيئًا آخر سوى إمكانيّة تحقيق هذا الانتقال في داخلنا، فيتحرّك كياننا في اتّجاه صورة الابن المعتمِد في الأردنّ ونرسّخها فينا؟
خاطب يسوع شعبه من الضواحي وليس من المركز. في هذا إشارة إلى ضرورة تنبّهنا إلى ما نعتقد أنّنا نكونه. فمن كان في المركز، ظنّ نفسه شيئًا عظيمًا. يسوع خاطبنا من هذا المكان المنعزل والمنزوي، والذي لا يليق بمقامه، إذا جاز التعبير. لكنّها كانت طريقة رمزيّة كيما يهزّنا في العمق، في عمق أعماقنا، حيث نرتاح إلى أنواع الظلمة وأشكال الموت التي نتبنّاها عمليًّا في حياتنا. فصورة «الشعب الجالس» هي صورة الإنسان أو الجماعة المستكينة لوضعها، فتتكيّف مع واقعها وعلّاتها، وأمّا صورة «الجالسين في كورة الموت وظلاله» فهي تفصح عن نوعيّة الحياة التي يختارها هؤلاء لأنفسهم، نوعيّة رديئة للغاية، بتشعّباتها وألوانها كافّة. هذا هو الواقع الذي وجده يسوع فينا، وسعى يوحنّا إلى أن ينبّهنا إليه فنسعى إلى طلب غفران الخطايا بنعمة الروح القدس.
هذا كلّه أتى على وقع إلقاء القبض على يوحنّا المعمدان (متّى ٤: ١٢). نعم، طريق التوبة ليس مرغوبًا فيه كثيرًا، لأنّ المرء ضنين على شهواته وعاداته ورغباته إلى درجة أنّه مستعدّ لأن يقضي حتّى على مَن يرشده إلى النور ويقدّم له الحياة ويعلّمه الانتصار على الخطيئة التي تسود فيه.
أتى يسوع ليشقّ طريق تغيير داخليّ مبنيّ على عطيّة الحياة التي من الله، وعلى معرفته والشركة معه. فما عاد الإنسان متغرّبًا عن الله بل قريبًا وحبيبًا وتلميذًا ورسولًا وابنًا. هو الحياة المعطاة في واقعنا، عوض الخرنوب الذي اعتدنا أن نتسلّى به، في وقت حياتنا الضائع.
ها نوعيّة حياة جديدة بالكليّة! وها معنى للزمن يعني ولوجنا سرّ الله المعلَن بيسوع وسرّ إيماننا به وصيرورتنا على مثاله! الرهان اليوم موضوع على اقتبال هذه الحياة وأن يصير زماننا زمن خلاص، بالضبط في الواقع الذي نراه مشابهًا لتوصيف إشعياء لأرض زبولون وأرض نفتاليم. فهل نحمل هذا النور في كورة الموت وظلاله؟ وهل نتبنّى التشخيص الذي يضعه يسوع لمداواة هذه الحالة، أي التوبة؟ وهل نؤمن بأنّه إن آمنّا بيسوع بتنا في ملكوت الله وعاملين فيه ومن أجله؟ هاكم إذًا قوّة تغيير واقعنا وأحوالنا من منظار يسوع وخبرة الكنيسة وعمل الروح القدس الثابت والكامل! نعم، لقد لبسنا المسيح، وهذا أقلّ ما يُقال في دعوتنا. لذا لا تقنطوا، بل تشجّعوا؛ ولا تستسلموا، بل بادروا؛ ولا تحزنوا، فالله حاضر من أجل خلاصنا. الحمد لله على عطيّته التي لا عودة فيها إلى الوراء.
+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
==========================—————————————–==============================
الرسالة: أفسس ٤: ٧-١٣ Επιστολή Εφέσιος 4:7-13
يا إخوة لكلّ واحد منّا أُعطيت النعمة على مقدار موهبة المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العلى سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. فكونه صعد، هل هو إلّا أنّه نزل أوّلًا إلى أسافل الأرض؟ فذاك الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق السماوات كلّها ليملأ كلّ شيء، وهو قد أَعطى أن يكون البعض رسلًا والبعض أنبياء والبعض مبشّرين والبعض رعاة ومعلّمين لأجل تكميل القدّيسين، ولعمل الخدمة وبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى مقدار قامة ملء المسيح.
الإنجيل: متّى ٤: ١٢-١٧Ευαγγελίου Ματ. 4:12-17
في ذلك الزمان لمّا سمع يسوع أنّ يوحنّا قد أُسلم، انصرف إلى الجليل وترك الناصرة وجاء فسكن في كفرناحوم التي على شاطئ البحر في تخوم زبولون ونفتاليم ليتمّ ما قيل بإشعياء النبيّ القائل: أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الأردنّ، جليل الأمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. ومنذئذ ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات.