يأتي العيد من جديد في السنة الحاضرة. هناك أناس كثر في عالم اليوم يبحثون عن جواب لأسئلتهم الكثيرة.عطش روحيّ كبير لا يروّيه شيء ولا أحد. تلك هي المأساة: كثيرون على شفة اليأس موجودون ويتساءل البعض من أين موجة الإرهاب اليوم؟! وكأنّ الحياة المعاصرة لم يعد لها معنى. أين نجد عزاءً يحرّر الإنسان من مثل هذا الضباب “والحاجة تبقى إلى واحد” (لوقا 10: 42).
المسيحيّون اليوم في العالم، شرقًا وغربًا، “لهم صورة التقوى ولكنّهم منكرون قوّتها” (2 تيمو 3: 5) وهم في معظمهم، كمسؤولين، يضعوننا في هذا الشرق في أتّون من النار الجحيميّة.
في وسط هذا المناخ يأتي العيد، عيد مولد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح في مذود البهائم. هل تولد هذه الحقيقة الأزليّة في قلوبنا في وسط هذا الصخب العالميّ؟ طبعاً سوف نتلهىّ بمغريات هذه الدنيا من مأكل ومشرب ولباس وهدايا… لست هنا بمعرض إدانة العادات الإنسانيّة، بل شئت أن أنبّه المؤمنين إلى نمط من الحياة يطغى عليه روح الاِستهلاك المهلك، ناسين واقعهم الأليم، من جهة، وحقيقة إيمانهم الإلهيّ، من جهة أخرى.
أيّها الأحبّاء، نحن نحيا اليوم في وسط وثنيّة جديدة. العبادة لم تعد للإله الحقيقيّ، ولا لعبادة أصنام منحوتة من حجر، بل جعلنا أمامنا إله المال والمادّيّات التابعة، إله الحرب وفنون القتل والدمار عن طريق الطائرات والبواخر الحربيّة المتطوّرة…
رجائي، أيّها الإخوة الأحبّاء، أن لا تمرّ فترة الأعياد دون أن نتأمّل فيها بمعاني العيد وفوائده لحياتنا، ما يساعدنا وسط نشاط المحيط الاِجتماعيّ أن نجد لأنفسنا وقتاً للصلاة الهادئة الواعية، إن كان ذلك في تأمّل شخصيّ أم في خدمة مشتركة في الكنيسة. أعياد القدّيسين السابقة للعيد تساعد؛ قصّة العيد السيّديّ في الإنجيل وكذلك خدمته من غروب وسحريّة تساعدان أيضًا. ماذا يوحي لنا كلّ ذلك؟ كيف نحيا؟ كيف نتصرّف؟ كيف نقرأ الأحداث العالميّة الحاليّة علىى ضوء الكشف الإلهيّ؟ كلّها أسئلة قابلة للتأمّل والاِستنتاج تساعدنا، نحن البشرَ الضعفاء، أن نرتقي إلى السماء الإلهيّة، علّنا نحوي في قلوبنا هذا الإنسان الإلهيّ الآتي الذي أخلى ذاته وتواضع حتّى الموت ليخلّصنا.
أفـرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكلمة”، العدد 52، الأحد 25 كانون الأوّل 2016