يتحدّث الإنجيل اليوم عن مَثَل الإنسان الغنيّ الذي أَخصبت أرضه فأراد أن يبني لنفسه مخازن كبيرة يضع فيها غلّاته.
وقال لنفسه ان استمتعي بهذه الحياة وكلي واشربي، فالحياة كلّها طعام ولذة، والحياة كلّها أموال. هكذا قال هذا الرجل الذي وصفه الكتاب انه غبيّ، والغباء هو في انه أقبل فقط على اللّذات ولم يستلّذ الله، لم يُحبّ الخالق.
كانت نفسه فارغة من ربّه مليئة بالشهوة، أي انها كانت بالحقيقة لا شيء، وكانت تتلاشى بتلاشي الشهوات، وتنحطّ بانحطاط اللذات. كل شيء فينا يهترئ ما عدا الله. كل شيء فينا صائر إلى الموت ما عدا هذه اللمحة الإلهية. «العالم يمضي وشهوته، واما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (رسالة يوحنا الأولى ٢: ١٧).
من اكتفى بنفسه وجمع، ماذا يجمع؟ الكل يقول ان لا أحد يأخذ معه إلى القبر شيئًا. ولكني أحسبها جملة تقال في المآتم، وينساها من قالها بعد المأتم. من قال: ماذا نأخذ معنا إلى القبر؟ هو نفسه يذهب ليدّخر بطريقة شرعية أو غير شرعية، ولا يجعل لربّه في نفسه مكانًا.
قضيَّتنا مع الربّ انه علينا ان نظلّ في اليقظة كل حين، وإذا ما جعلنا المسيح في القلب، نستطيع ان نجابه به كلّ ما يحدث لنا وكل تجربة. ونحن ذاهبون إلى تجربة المال الكثير، لأن كسب هذا المال يجعلنا نركع أمامه لأننا لم نعرف ان نركع كل يوم أمام الله ونسلّم ذواتنا لله. وإذا ما فتـنتْـنا أمجادٌ أو سحَرَنا مديح، فاننا نستسلم للمديح ولباطل المجد لأننا لم نمجّد الله كل صباح ومساء حسب توصية الرسول بولس «مكلّمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحيّة، مترّنمين ومرتّلين في قلوبكم للرب» (أفسس ٥: ١٩)، وكأنه يتكلّم عن الكنيسة الشرقية التي نحن منها، وقد عرفتْ ان خير شيء للناس هو ان تجمعهم ليكونوا في حضرة ربهم يُناجونه ويتلألأون.
هذه هي الخدمة التي دُعيتم اليها. امّا العالم فيبيد وكذلك شهوته. وحقيقة ربنا وكلمته باقية إلى الأبد. ولهذا، إذا طُلبتْ نفسُنا في الموت، نكون قد ادّخرنا لله وحفظنا في نفسنا قيَم الله وجمالات الله. فإذا ما استدعانا نكون متأهبين مرحّبين بدعوته لأننا عالمون أننا نلقى وجهًا كريمًا هو وحده وجه ساحر لأنه الوجه الذي يملأنا غبطة وقوة وسلامًا.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 47، الأحد ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٦