تُوصِلُنا الكنيسةُ اليوم إلى خاتمة مراحل الخلاص وليس إلى نهايته. لقد عيَّدْنا الأحدَ الماضي لحلول الروح القدس، عيد العنصرة، وبعده أحد جميع القديسين، لنبدأ بصومٍ يُدعى صومَ الرُّسل. ماذا يعني هذا كلُّه؟
بالعنصرة يبدأ عمل الكنيسة، وعملُها لا يستقيم إلاّ بالروح القدس، المرشد إلى الحقّ، والهادي إلى الصّراط المستقيم، ومصدر الفرح والسرور، ومُجَدِّدُ الخليقة… هذا بالنسبة إلى الله، أمّا البشر المتلَقُّون لهذا الروح فهم جماعة الكنيسة، ولا تكون هذه الجماعة كنيسةً إلّا إذا كانت مجالَ الروح ومنفتحةً إليه. لذلك صوم الرسل، ليكون أعضاءُ هذه الجماعة رُسُلًا، ويُمَيِّزوا ما بين الرسالة والمرسِل الذي عليه أن يتطهّر ليعرف الإرادة الإلهيّة وينقلها نقيّةً لا شائبة فيها.
العضويّة في الجماعة الكنسيّة لا تأتي بطلب انتساب إنّما بطلب حياة، لا بطلب قانون وفروض والتزامات مؤسّساتيّة خالية من الروح، إنّما بطلب الروح القدس المحيي. وكما يقول القدّيس سلوان: “هدف الحياة اقتناء الروح القدس”. لذلك وُجِدَتْ أسرارُ الكنيسة، والتي يقول عنها الأب ألكسندروس شميمن إنّها حياة العالم. ففي المعموديّةِ أنتَ تموتُ عن هذا العالَم، عالَمِ الخطيئة، عالَمِ الأنانيّة والكبرياء والقساوة والكره والقتل والرياء والمجاملات والمصالح، أن تموت عن هذه لتبدأ
قيامتك. العالم يجعلُكَ عُضوًا في الملكوت، ليكون غذاؤك المسيح بالقربان المقدّس. الروح هو الذي يجعلك ابناً لله، لأنّه يعلّمكَ ويُرشدُكَ وينمّيك، كما يقول القدّيس بولس الرسول.
العضويّة في الكنيسة مسؤوليّة، لأنّ العضوَ عضوٌ في الجماعة ويَنصهرُ بها، ليصبح فرحُها فرحَه وألَمُها ألَمَه. العضو هو ذاك الذي يلبس سيّدَه ويكون خادمَه بالآخَرين. هو ذاك الذي لا يستكبر ولا يجعل من ذاته ديّاناً للآخرين للملتزمين وغير الملتزمين، فُلان مُصَلٍّ وآخَرُ غيرُ مُصَلٍّ و… وكأنّ الكنيسة هذا دون ذاك، وأنّها للأصحّاء دون المرضى، ناسِين قَولَ الرّبّ: “جئتُ للمرضى لا للأصحّاء”. كفانا فَرْزًا وَنُمُوّا في الفرّيسيّة. كفانا لَهْوًا بِما يُوحي لنا الشرّير. لنتنقَّ بالروح، ولنرَ وجه يسوع الجميل في كلّ إنسان، ولنترك تقويم الآخرين للرّبّ، ولنهتمّ بتقويم ذواتنا قائلين مع الرسول بولس: “إِنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى العالَمِ لِيُخَلِّصَ الخطأةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا” (ا تيمو 1: 15).
يا أحبّاء، الروح القدس يُجَدِّدُ حياتَنا وفِكرَنا وأعضاءَنا وعضويّتَنا. الروح القدس يُلهمنا في المحبّة التي إن فشلنا بها فشلنا بمسيحيّتنا. آمال الناس، رجاء الناس، عظيمةٌ هي. ولكن متى تشرق الشمس على غير ما أشرقت البارحة؟ ومتى ننهض في الصباح على غير ما تعوّدنا؟ نريد جديداً، جديدًا. الناس يفتّشون عن الجديد، وإنْ سمّوه حديثاً
بأسماء متعدّدة، فالقصد واحد. نريد جديداً. يريد الناس جديداً. يريدون عالم أولادهم مختلفاً عن عالمهم هم، ولهم الحقّ في ذلك. ويشتهون ألّا يحمل الغد ما حمله في الماضي من آلام ومتاعب وشقاء. فإنّ العالم أبعد ما يكون عمّا يسمّيه الناس السعادة.
أين هي الكنيسة من هذا؟ أين هم الأعضاء العاكسون الروح من هذا؟ أين هو الجديد إن لم نصنعه نحن؟
الأسقف غطاس (هزيم)
عن “الكرمة”، العدد 25، الأحد 22 حزيران 2014