نصّنا اليوم يتكلّم على الشّياطين، وذاك الممسوس من الشيطان.
فمن المفردات التي ترد في النصّ: العري، السلسلة، الجنون، الهاوية، الغرق والخنازير. وهذه التّعابير إن تأمّلنا فيها جيّداً، نستنتج أنّ الإنسان الذي يمسّه الشيطان، يصبح عارياً من كلّ فضيلةٍ، ومكسوًّا بالرذائل. إنّ عريه سببه الضّلال والخطيئة.
إن تأمّلنا أكثر في حياة هذا الممسوس، نراه بائساً وذا حياةٍ مزرية. فهو مَقُود من الشّيطان الى العنف، وممسكٌ عن كلّ نعمةٍ وكلّ رشدٍ وتفكير.
أعود متأمّلاً بطبيعة ذلك الإنسان ّالذي يسلك بحسب الشّيطان، فإنّه يصبح شرّيراً، مؤذياً، قاسياً، يغري النّاس للسّقوط في الخطيئة.
واللافت أكثر هو أنّ ذاك الممسوس في النّص، كان ملاذه القبور، والهروب الى البراري، أي إلى العزلة والوحدة.
للخطيئة أشكالٌ عدّةٌ: بالفكر أو بالفعل. فهناك من يكون شرّيراً بفكره، وهناك من يكون شرّيراً بفعله. والنّتيجة واحدة. دائماً الشرّير لا يتّفق إلاّ مع أمثاله، فهو لا يطيق من يخالفه لا في الرّأي، ولا في السّلوك، فهو من لونٍ واحدٍ، وليس من تنوّعٍ عنده، فمن اختلف عنه فهو عدوّه، وعليه أن يحطّمه. إنّه إنسانٌ مقيّدٌ لا يعرف الحرّيّة ويرفضها.
سؤال يُسأل: لماذا يجيز الله للشّيطان اختبار الإنسان؟
الجواب: “حتّى يختبر الأخيار، ويعاقب الأشرار. هذا اختصاص الخطيئة”. كما يقول أحد القدّيسين. الذّهب يمحَّص بالنّار، فينقّى، أمّا ما هو مزيّف فيفقد بهاءه ولمعانه.
أخيراً، وفي وسط هذه المعمعة، أين يكون يسوع؟
إنّه مع ذاك الإنسان المسلّح باسمه، والممتلئ بنعمته. فهذا لا يستطيع الشّرّير غلبته، لأنّ الشّرّير يدمّر المتقلّبين من البشر والعزّل. فمن امتلأ نعمةً، لن ترى الشّياطينُ فيه مسكناً، لأنّه قويٌّ باسم يسوع الذي أمرها أن تخرج من ذاك المعذّب ليصبح حرّاً، ليخرج من حيوانيّته ومن مماثلة الخنازير، ويكون ابناً لله حرًّا، وديعاً ومحبًّا.
+ المطران غطّاس هزيم، مطران بغداد والكويت وما يليهما
عن “الكرمة”، العدد 43، الأحد 21 تشرين الأول 2012