يحسُن بنا الاعتمادُ على صلاة قديسي الله، حتّى ولو كنّا نشيطين بتتميم الواجب! فقد تقول: ما الحاجة الى صلاة الآخرين إذا كنتُ أُتمم واجباتي بنشاط؟ فأنا لست بحاجة إليها! لم يقل القديس بولس الرسول: لا حاجة الى صلاة الآخرين، مع أن الذين صلّوا لأجله لا يُضاهونه بشيء. فكيف تقول انت ما حاجتي الى صلاة الآخرين عني؟ والقديس بطرس الرسول لم يقل ما الحاجة الى هذه الصلاة، بل قيل: “وكانت الكنيسة تُصلّي الى الله من أجله بلا انقطاع” (أعمال 5 : 2)، وأنت تقول ما الحاجة الى صلاة الآخرين؟ إنها تَلزَم مع أنك لا تعترف بالحاجة إليها. فإنك في حاجة الى صلاة الآخرين، ولو كنتَ معادلاً للرسل المتقدّمين على غيرهم.
إنني أكرر القول أن صلاة الغير من أجلنا نافعة لنا إذا كنا نتعب بتأدية واجباتنا. أمَا شهِدَ رسولُ المسيحِ بقوله: “لأني أَعلمُ أن هذا يَؤُول الى خلاصي بصلاتكم وبإعانة روح يسوع المسيح” (فيلبي 1: 19)، وقال أيضًا: “والذي يُنقذنا الآن بمعونة دعائكم لنا حتى إنّ كثيرين يُؤَدّون الشكر على الموهبة” (2كور 1: 10 و11).
ولكن، لا أحد يستطيع أن يساعدنا بصلواته إذا كنّا متهاملين. فما الفائدة التي حصل عليها النبي إرميا لليهود؟ ألم يصرخ الى الله ثلاثًا ويَسمع ثلاثًا: “وأنتَ فلا تُصَلِّ عن هذا الشعب ولا تَرفع صراخًا ولا صلاةً لأجلهم ولا تَشْفَعْ إليّ فإني لا أَسمعُ لك” (إرميا 7: 16). وما المنفعة التي قدّمها النبي صموئيل للإسرائيليين؟ ألم يهلكوا جميعًا غير ناظرين إلى نبيِّ اللهِ الذي شهد عن نفسه: “وأما أنا فحاشا لي أن أُخطئ الى الرب وأترك الصلاة من أجلكم” (صموئيل الأوّل 12: 23)؟ لذلك يجب أن نعلم أن صلاة الآخرين من أجلنا تعود علينا بالنفع العظيم إذا قمنا بواجبات الصلاة نحن أيضاً. إن الصلاة تعمل وتساعد مَن يتمّم واجباته، أما إذا كان متكاسلاً فلا تعود عليه بفائدة. ألم يصلِّ القديس بولس الرسول من أجل العالم بأسره؟ ألم نصلِّ نحن من أجل خلاص الجميع؟ فلماذا لا يصير الأشرار أبرارًا؟ لأنهم لا يهتمّون لنفوسهم! فالصلاة من أجلنا تفيدنا إذا أَتممنا ما يجب علينا.
أتريد أن تعرف أيها المسيحي كيف تكون الصلاةُ نافعةً لنا؟ إسمع ما يقول يعقوب للابان: “ولولا أن إله أبي إبراهيم ومهابة إسحق معي لكنتَ صَرَفتَني فارغًا” (تك 31: 42). واسمع أيضًا ما قاله الرب الإله: “فأَحمي هذه المدينةَ وأُخلّصها من أجلي ومن أجل داود عبدي” (الملوك الثاني 19: 34). لكن متى يكون هذا؟ كان بواسطة حزقيا الذي كان صِدّيقًا. ولكن إذا كان للصلاة قوةٌ أثناء الشدائد العظيمة، فلماذا أَسلم الربُّ المدينة الى نبوخذنصَّر عند هجوم البابليين؟ لأن الفساد ازداد في تلك الأيام. وهكذا النبي صموئيل من أجل الإسرائيليين، نجح لما أَرضى الإسرائيليّون العليَّ.
قد تقول هنا: ما الحاجةُ الى صلاةِ الآخرين من أجلكَ إذا كنتَ عائشًا في طاعة الله؟ هذا لا يجوز لك أن تقوله مطلقًا، بل اسمع ما قاله السيدُ الرب عن أصحاب أيوب: “إن عبدِي أيوب يُصلّي من أجلكم فتُترك لكم خطاياكم” (أيوب 42: 8)، لأنهم قد خطئوا، ولكن خطيئتهم لم تكن عظيمة. وهذا الصِدّيقُ نفسُه الذي خَلّص أصدقاءه لم يقدر أن ينقذ اليهود من الهلاك لأن “إثمهم كان عظيمًا” (حزقيال 14: 14).
وقد قال السيد الرب بواسطة أنبيائه: “ولو كان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيال وأيوب، إنهم لا يُنقذون لها بنينَ ولا بناتٍ، والأرض تَصير مستوحشة” (حزقيال 14: 15). “لو أن موسى وصموئيل وقفا أمامي لما توجّهَتْ نفسي الى هذا الشعب” (إرميا 15: 1). وعندما صرخ النبيُّ حزقيال: “آه أيها السيد أتُهلِكُ جميعَ بقيّةِ إسرائيل؟”، عرَّفَه الرب أن عدم مساعدته للإسرائيليين لم تكن لأنه توسَّط لهم، بل “لأن إثم إسرائيل ويهوذا عظيمٌ جداً” (حزقيال 9: 8-9).
فبتذكُّرِنا أيها الأحباء كل هذا، يجب ألا نحتقر صلاة القديسين أو نعتمد عليها وحدها، بل لنحافظْ على الشرط الثاني أي ألاّ نتكاسل، ونصرف حياتنا في البطالة، حتى لا نُحرَم من الخيرات العظيمة.
فلنسألْ سكان السماء القديسين أن يساعدونا بصلواتهم لنقضي حياتنا في الصلاح حتى نحصل على الملكوت الأبدي.
عن كتاب “منهج الواعظ” للمطران أبيفانيوس (زائد)
“صلاةُ القديسين من أجلنا”
للقديس يوحنا الذهبيّ الفم