+ ٤ حزيران ٢٠١٤
وغادرنا الأب نيقوديموس في الرابع من حزيران عام ٢٠١٤ ودفن بجانب دير البانتوكراتوس المقدس. روحٌ أرثوذكسية أصيلة بذلت ذاتها في خدمة العائلات التي تضمّ عدة أطفال. وكلاهوتي ومعلم كبير كان للأب نيقوديموس كتابات لاهوتية في هذا المجال استخدم بعضها في المناهج المدرسية للتعليم الثانوي.
شارك الأب نيقوديموس في مؤتمرات لاهوتية وديموغرافية وقدم حلقات بحث كان لها تأثير كبير على جمهور عريض لم ينله معظم ٱباء الجبل المقدس المتعلمين. والجدير بالذكر أن الأب نيقوديموس قد توفي بعد بضعة أيام من وفاة الأب المعلم موسى الذي كان معروفاً بفضل كتاباته ومقالاته التي كان ينشرها من حين لآخر، كما أن الأب نيقوديموس قد توفي بنفس الطريقة التي توفي بها القديس أثناسيوس الآثوسي الذي من تريبيزوند مؤسس الرهبنة في جبل آثوس والذي كتب الأب نيقوديموس سيرته.
بقي الأب البار نيقوديموس محافظاً على قوته الجسدية حتى آخر أيام حياته وبالرغم من أنه كان قد بلغ الخامسة والثمانين من عمره إلا أن هذا لم يمنعه عن التسلق إلى سطح قلايته في كابسالا الجبل المقدس بواسطة سلم لكنه سقط أرضاً ولفظ أانفاسه الأخيرة تماماً كالقديس الذي كتب عنه.
تدين الكنيسة الأرثوذكسية واليونان للأب نيقوديموس بالكثير لأن خبراته أتت من كونه هو نفسه نشأ في عائلة ضمّت عدّة أطفال بالإضافة إلى خبرته في مجال العائلات التي تضمّ عدّة أطفال ما جعله ملمّاً بنقاط القوة والمزايا التي تمتاز بها هذه العائلات ودفعه إلى جعل تشجيع العائلات على تعدد الأطفال هدف حياته الرئيسي.
لم يمنعه إسكيمه الرهباني عن إحاطة نفسه بهذه العائلات والتعامل معها بعد أن طلب بركة الشيخ باييسيوس الذي لم يعطهِ إياها وحسب بل شجعه أيضاً على إشغال نفسه بعائلات اليونان المباركة. كما أنه نشر ولمدة ٣٦ سنة مقالات في مجلة“العائلة اليونانية الأرثوذكسية المتعددة الأطفال” (Eλληνορθόδοξη Πολύτεκνη Oικογένεια) والتي كان الاشتراك فيها مجانياً وتؤخذ من منصة الشمع في الكنائس واستمر بهذا العمل حتى يوم وفاته.
تم توزيع حوالي خمسمائة ألف نسخة من هذه المجلة كما قيمة التبرعات لهذه المجلة كانت ضخمة وكانت تتم عن طريق بطاقات التبرع التي توضع داخل كل عدد من أعداد هذه المجلة مما ساعد آلاف العائلات التي كانت تمر بظروف اقتصادية صعبة. فمنهم من كان في خطر أن يؤخذ منه منزله بسبب عجزه عن دفع قيمة الرهن أو يطرد لعدم تمكنه ثمن الأجرة، فتدخل الأب نيقوديموس بسرعة البرق لصالح هؤلاء وأنقذهم من الوقوع في هذه المشكلات معيداً إياهم إلى طريق الصواب في إنشاء عائلات متعددة الأطفال. وكان الأب نيقوديموس يهتم ببعض العائلات بشكل دائم أو بحسب الحاجة، ومعظم تواصله كان يتم مع متبرعين من أصحاب العائلات التي تضمّ عدة أطفال هم أنفسهم كانت مواردهم المالية هزيلة، وكانت رسائل التواصل هذه تقرأ في المجلة بالإضافة إلى صور تلتقط للعائلة مع كافة أفرادها بمن فيها من آباء وأجداد وأحفاد.
انتبه الأب نيقوديموس إلى حجم الإجهاضات في اليونان حيث أنه مقايل كل ولادة تحدث هناك ثلاثة إجهاضات تتم فأخذ على عاتقه مهمّة توعية الناس ضد آفة العصر الحديث هذه، وقد كان لكتاباته تأثير على الناس، فمنهم من أنجب أطفالاً واقتنع أنهم هبة من الله، ومنهم من عدل عن قراره بالإجهاض بعد أن كان مزمعاً أن يفعله، ومنهم ممن كان قد اقترف جريمة الإجهاض في السابق صوّب مساره بالتوبة وإنجاب أطفال جدد بعد أن قرأ مقالات الأب نيقوديموس حتى أن بعضاً منهم صار شريكاً في مهمة حماية الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وكل الآراء حول المسائل الوطنية والأحداث البطولية لم تلفت انتباه أبينا البار.
قدّم الأب نيقوديموس بجهوده هذه إسهاماً عظيماً للكنيسة والناس في اليونان ما يستحق كل تقدير، وترك بموته فراغاً كان من الصعب ملؤه، وكان من الطبيعي للعائلات التي كان الأب يساعدها أن تشعر باليتم بعد غيابه. لعل الله يرسل بديلاً مستحقاً إلى عبيده المختارين.
* لاهوتي واستاذ، مفوض في الاتحاد الفدرالي العالي لتعدد الاطفال في اليونان.
الدكتور جورج تساكاليديس
نقلتها إلى العربية شيم حموي
www.orthodoxlegacy.org