“بالنعمة أنتم مخلّصون” (أفسس 2: 5 و8).
الخلاص من الشرّ، من الخطيئة ومن الموت تمّ على الصليب وبرز بقيامة المسيح من بين الأموات وإرساله نعمة الروح القدس يوم العنصرة. هذا ما نتناوله في المعموديّة أوّلاً ومن ثمّ في مناولتنا جسدَ المسيح القائم من بين الأموات.
قال القدّيس غريغوريوس بالاماس الذي نعيّد له اليوم: إنّ النعمة الإلهيّة التي تقدّسنا هي نور إلهيّ أزليّ غير مخلوق، وميّز بين جوهر الله الذي لا يساهم به الإنسان والقوى الإلهيّة énergies divines non créées التي نساهم فيها.
هنا ينبغي لنا، أيّها الأحبّاء، أن نلاحظ أنّ الإنسان لا يكتمل بقوّته الخاصّة بقدراته البشريّة. إنّه بحاجة إلى مؤازرة الله وإلى قوّته الإلهيّة. والإشارة الهامّة هنا هي إلى الجهاد الكبير الذي خاضه قدّيسنا غريغوريوس بالاماس في زعمه أنّ هذه القوّة الإلهيّة التي نأخذها من الله عن طريق النعمة هي غير مخلوقة، أي قوّة غير بشريّة تفوق البشر وتكمّل.
صحيح أنَّ على الإنسان أن يساهم، أن يشارك في عمل الخلاص، أي أن يعمل ويشارك ويجاهد في محاربة أهوائه وشهواته، وهذا ما يؤكّده التقليد الآبائيّ الأرثوذكسيّ في عقيدة السِّينرجيّة synergie “الله يعمل وأنا أعمل”، إلاّ ان الشفاء التامّ الكامل لأمراض الإنسان لا يتمّ إلاّ بقوّة الله التي تفوق البشر.
يقول البروتستانت إنّ الخلاص يتمّ بالإيمان بالمسيح مستندين إلى الآية في أفسس( 2: 8 و9).
إلاّ أنّ القدّيس إقليموس الإسكندريّ يشدّد على جهاد الإنسان عن طريق أعماله “الصياميّة” أي الإمساك عن الأهواء لكي يقرن الخلاص بالأعمال.
يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: “إنّ المعرفة العقليّة غير مستقلّة عن الطهارة، عن تحرّرنا من الأهواء. إنّ معرفتنا الحقيقيّة، الإستنارة الإلهيّة، لا تأتي من الدراسات ولكن من النقاوة”، نقاوة الجسد، الفكر والروح.
هذا التعليم، الأساسيّ لحياتنا واستنارتها بالنور الإلهيّ، نقتبسه من هذا الأحد الثاني من الصوم. هو يساعدنا لنزداد طهارة عن طريق التوبة ونصبح أكثر تحرّراً من شهواتنا، لكي نجد أنفسنا مستعدّة لاقتبال نور قيامة المسيح مخلّصنا.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 13، الأحد 27 آذار 2016