نشأ لقيان في مدينة أنطاكية العظمى، والبعض يقول في مدينة سميصاط السورية التي منها بولس السميصاطي، أسقف أنطاكية الهرطوقي المعروف. تلقى في شبابه قسطاً وافراً من العلوم الدنيوية. ولما مات والداه وهو في سن الثانية عشرة وزع ما لديه على الفقراء وارتحل إلى مدينة الرها حيث تتلمذ لمعلم ذائع الصيت مكاريوس. و قد أضحى لقيان أحد أكبر المعلمين في الكنيسة في زمانه.
يقال عنه انه كان من أوائل من خرجوا إلى حياة النسك في أنطاكية. والقديس أثناسيوس الاسكندرييسميه “ناسكاً كبيراً”. ينقل مترجم سيرته عنه أنه كان يمارس النسك الرهباني الشديد، فلا يتناول طعامه إلا حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر ويصوم أحياناً أسابيع بأكملها. طعامه كان يقتصر على الخبز اليابس والبقول. ولا يقرب النار في فصل الشتاء مهما كان البرد قارصاً. وقد اعتاد أن يستغرق في الصلوات الطويلة باكياً خطاياه.
وفي أنطاكية انضم لقيان إلى إكليروس المدينة. وقد أسس فيها مدرسة أنطاكية الشهيرة في تاريخ الكنيسة، وهي المدرسة التي اتبعت في تعاطيها مع الكتب المقدسة أسلوب التفسير البياني للنصوص وتأكيد معانيها الحرفية، في مقابل، الأسلوب التأويلي الذي جرى عليه أوريجنوس ومدرسته في الاسكندرية في الوقت عينه. وإلى لقيان يعود فضل التدقيق في النصوص العبرية المقدمة التي كانت قد امتدّت إلى البعض منها أيدي الهراطقة فعبثت بها. ويقول القديس ايرونيموس أن ترجمة الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية بيد لقيان كانت عظيمة القيمة دقيقة، سلسة وأنها انتشرت بين القسطنطينية وأنطاكية.
لاحق جنود الإمبراطور مكسيميانوس هذا الأب القديس فيما اشتدت وطأة الاضطهاد على المسيحيين عموماً. وقد تمكن هو من التواري فترة من الزمان إلى أن وشى به كاهن هرطوقي حسود.
قبض على لقيان وسيق إلى مدينة نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية. وقد تمكن أثناء الطريق من هداية أربعين من العسكر قضى أكثرهم شهيداً في سبيل الإيمان.
وفي نيقوميذية جرى استجواب لقيان وعومل أسوأ معاملة. ويبدو أنه لعب دوراً بارزاً في نيقوميذية، في تشديد المسيحيين وحملهم على التمسك بإيمانهم بالمسيح، بعدما سلك بعضهم طريق الكفر تحت وطأة التهديد إنقاذاً لحياته.
وعاده بعض تلاميذه الأنطاكيين في سجنه يوم عيد الظهور الإلهي، عام 312 للميلاد. وإذ أراد أن يقيم الذبيحة جعل من صدره مذبحاً لها.
وفي عظة ألقاها القديس يوحنا الذهبي الفم عن القديس لقيان وصف وإكبار لأبرز ما عاناه هذا القديس الشهيد في نيقوميذية. وقد جاء في العظة ما يلي:
”… ترك القديس طويلاً دون أن يحضر له جلادوه أي طعام. ولما رأوا أنه لم يتلاش، وضعوا أمامه لحوماً سبق أن قدمت لأوثان… ورغم أن التجربة كانت قاسية للغاية، فإن القديس الشهيد خرج منها منتصراً… وإذ رأى عدو البشر انه لم يظفر بلقيان، جرَّه، من جديد، إلى المحاكمة.. وسعى إلى إنهاكه بشتى الاستجوابات التي أخضعه لها.. لكن جواب القديس على كل الأسئلة التي طرحت عليه كان: “أنا مسيحي”.. سألوه: “من أين أنت؟” فقال: “أنا مسيحي”. “ما هي مهنتك؟” فأجاب: “أنا مسيحي”. “من هي عائلتك ومن أقرباؤك؟” فقال: “أنا مسيحي”… طبعاً، لم تكن تنقص لقيان قوة البلاغة… لكنه كان يعرف جيداً انه بالإيمان يغلب لا بالبلاغة، وأن الدرب الأكيد ليس أن يعرف المرء لغة الكلام بل لغة المحبة… بهذا الجواب: “أنا مسيحي” أكمل لقيان سعيه…”.
وبعدما تضجر جلادوه من ثباته خنقوه، في حبسه، سراً، بأمر من الإمبراطور مكسيميانوس ثم ألقوا بجثمانه في البحر ليمحوا أثره. ولكن تمكن أحد تلاميذه، غليكاريوس، بعدما تراءى له القديس، من التقاط رفاته. وقد كان استشهاده في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من العام 312 للميلاد.
يذكر أن بعض المصادر القديمة والحديثة حاول إلصاق تهمة الهرطقة بالقديس لقيان باعتباره أباً للآريوسية أو محازباً لبولسالسمياطي المدان في مجمع أنطاكية عام 269 للميلاد. لكن الثابت أن لقيان رقد في كنف الكنيسة الأرثوذكسية. وقد قال عنه القديس أثناسيوس الإسكندري إنه قديس كبير وشهيد عظيم.
www.orthodox-saints.com