الاسرة
نشأت اسرة البرامكي الأرثوذكسية في القدس، وعُرف من قدماء هذه الأسرة الخوري ميخائيل البرامكي مصور الأيقونات الشهير الذي رقاه بطريرك اورشليم بوليكربوس نحو سنة 1723 الى رتبة ايكونوموس الكرسي الأورشليمي. من الشائع انه كان والعديد من افراد اسرته يمتهنون فن التصوير الأيقونوغرافي واشتهر بدرايته وتقاه جداً. رزقه الله بوحيده ديمتري(متراكي) الذي كان مصوراً كوالده فرزق ديمتري ثلاثة ذكور هم ميخائيل وخليل ويعقوب.
ميخائيل هو علمنا المتَرجَمْ وقد توفي بدون ان يرزقه الله بذكور، اما خليل فكان كجده وابيه مصور ايقونات وله اولاد واحفاد. اما يعقوب فقد رُسم كاهنا باسمه ورزق اولاداً منهم غبرئيل المصور، والأب قسطندي وغيرهم من الاناث ولهم جميعاً اولاد.
السيرة الذاتية
ولد علمنا ميخائيل في القدس في اوائل القرن 19 ومنذ طفولته تاقت روحه الى اعتناق الكهنوت فرسم شماساً نحو سنة 1822. كان يحب المطالعة والبحث، لكن لم يتمكن من دراسة العربية وآدابها كما يجب، لعدم وجود من يعرفها في الكرسي الأورشليمي الذي ترعرع فيه مثل اسلافه، اتقن اليونانية والم بالعربية حتى كان يستطيع الترجمة اليها بعبارة ركيكة. اقتنى مكتبة نفيسة واستنسخ الكثير من الكتب التي كانت في مكتبة القبر المقدس وكنيسة القديس يعقوب اخي الرب، وفي دير القديس سابا في غور الأردن وغيرها من خزائن الكتب النفيسة.
قد عني وهو شماس بجمع نخب من الكتب التي وقف عليها وهي من نوادر المخطوطات واضاف اليها معربات من اليونانية ونحوها فألفها كتاباً معظمه تاريخي.
فجع بفقد زوجته التي توفيت عن طفلة رباها على التقوى والتبتل.
لفت نشاطه وغيرته وتقواه انظار البطريرك الأورشليمي كيرلس الثاني فرسمه كاهنا صباح الأحد8 ىب 1848 في كنيسة القديس يعقوب أخي الرب في القدس. وفي صوم السيدة في شهر آب من السنة ذاتها رقاه الى رتبة اول كهنة اورشليم( ايكونوموس) والبسه الصليب، كما كتب هو بخط يده على هامش كتاب صلوات. اشتغل بما عهد فيه من الجلد والغيرة في توسيع تاريخه وخدمة المسيحيين والقاء العظات والقيام بأعباء ما أوكل اليه من أشغال البطريركية الأورشليمية، واضاف الى مكتبته مخطوطات كثيرة من المخطوطات والمنسوخات والكتب.
بقي دائماً منقطعا الى العمل الرعائي، والعمل العلمي والمعرفي الى ان انتقل الى الأخدار السماوية في 11 كانون الثاني سنة 1873، فدفن في اليوم الثاني باحتفال عظيم وكان هذا اليوم ورود الفرمان السلطاني بتثبيت البطريرك بروكوبيوس على السدة الأورشليمية، كما كتب ذلك ابن عمه الأب قسطندي بن يعقوب البرامكي من كهنة القدس.
ابنته بربارة زوجة متري ابو حجر سميت على اسم امها المتوفاة، ولأنها تيتمت طفلة.
اما مكتبته الثمينة فنقلها خادمه جرجس ابو صبحة الى رام الله مسقط رأسه. يبدو انها تفرقت ايدي سبأ كما افاد كاتب سيرته المؤرخ عيسى اسكندر معلوف بالتنسيق مع المؤرخ الاسكندري حافظ وثائق البطريركية الاسكندرية العلامة ميخائيل نجيب الساعاتي حيث يقول المعلوف:” الذي ساعدني في البحث عن المترجم وهو الذي حفظ تاريخه المخطوط من الضياع فاشكر له عنايته بالأدب.”
والتاريخ الملمع اليه هو التالي: “تاريخ ميخائيل البرامكي”
يقول المعلوف
“أما تاريخ الخوري ميخائل البرامكي المترجم الآن فهو جامع لكثير من الفوائد وهاك الآن أهم مباحثه وهو يقع في 503 صفحات بقطع نصف كبير بخط المؤلف البالغ منتهى الاتقان.
أولاً العهد القديم من صفحة 1-52 بحث فيه عن العهد القديم( التوراة) وتفيسره تاريخياً وعلمياً وفلسفياً.
ثانياً العهد الجديد اي الانجيل من صفحة 153-296 وفيه بحث عن الملكة كليوباترا ابنة بطليموس ديونيسيوس ملكة مصر في صفحة، ثم ” تعريف سلسلة الذرية الجديدة الطاهرة النقية” في اربع صفحات ومن صفحة 160 يبتدىء بتاريخ العهد الجديد مطولاً “من بشارة زخريا بيوحنا” الى ” قيامة المسيح من بين الأموات” ثم يضيف الى هذا البحث المفيد الموضوعات الآتية:
1- مواعظ السيد المسيح لرسله ولليهود وعددها ست وعشرون.
2- بيان العجائب التي صنعها السيد قبل آلامه وعددها ست وثلاثون.
3- الأمثال التي تكلم بها السيد له المجد مع تلاميذه ومع اليهود وعددها ثلاثون.
4- التجارب السيدية وعددها اربع عشرة تجربة.
ومن صفحة 205-270 يصف كرازة الرسل والاضطهادات التي حصلت للمسيحيين في العصر الأول الميلادي الى آخر العصر الرابع بعده.وأفاض في وصف كرازة بولس الرسول وغيرته على نشر المسيحية بين الأمم وبين بعض هرطقات ظهرت بعد التجسد الالهي.
ومن صفحة 273-296 ذكر حوادث متنوعة من التاريخ القديم والمتوسط والحديث الى غير ذلك.
اما القسم الثالث فهو بدون عنوان يبدأ بسرد حوادث تاريخية هي
1- تواريخ الأوقات والأزمنة الحديثة التي حصلت قبل التجسد الالهي سنة 5508-القرن السادس قبل الميلاد في الصفحات 1-6.
2- تواريخ الأوقات والأزمنة الحديثة من سنة 7-841 ب.م في الصفحات 9- 68.
3- وفي الصفحات 69-132 تاريخ مدينة اورشليم المقدسة والأمكنة المقدسة والمزارات الموجودة وفيه ابحاث جغرافية كثيرة من مدن فلسطين وقراها جديرة بالنشر.
وفي الصفحات 135- 162 الموضوعات التالية:
1- اسماء بطاركة اورشليم ومدة اقامة كل منهم بطريركاً من يعقوب الرسول اخي الرب الى كيرلس الثاني الصاميوتي السنة 1043 وهو بحث مهم جداً.
2- تاريخ ملوك وبطاركة القسطنطينية (رومة الجديدة) من اندراوس الرسول وطيباريوس قيصر الى جرمانوس الرابع والسلطان عبد المجيد الثاني.
3- تواريخ ملوك وباباوات روميه من بطرس الرسول وتيطس كلاوديوس الى البابا بيوس الثامن وفرديناند الخامس.
وفي اثناء ذلك ذَكَرَ بطاركة اورشليم من جرمانوس السنة 1534 مسيحية الذي هو اول بطريرك يوناني (2الى دوروثيوس ووصف ماحصل بين رهبان الروم واللاتين بشأن المزارات المقدسة وذلك في الصفحات 139-147.
وفي الصفحات 167—206 ذَكَرَ الاكتشافات والحوادث التاريخية وسواها من الصفحة 195 الى206 .وهي:
1- عمارة الأديار التي في اورشليم داخلها وخارجها.
2- النور المقدس المنبعث من القبر السيدي الذي يظهر في يوم سبت النورقبل القيامة من بين الأموات.
3- تاريخ الدولة البيزنطية او القسطنطينية.
4- عادة وترتيب مناولة الملوك الحسني العبادة الأسرار المقدسة وقوانينها الكنسية.
5- فرض ترتيب صلاة تتويج الملوك المسيحيين الأرثوذكسيين… الى غير ذلك من الموضوعات الشائقة.
منتخبات من تاريخ ميخائيل البرامكي
الأبحاث الفلسفية
أولاً- انواع التحريك ذَكَرها في بحثه عن تكوين العالم وقال انها ستة:
1- التكوين: وهو ابراز العالم والخليقة ويونانيته.
2- الفساد وهو فساد المخلوقات وانحىلها وابادته من الوجود الى العدم ويونانيته.
3- النمو وهو نمو المخلوقات بالتسلسل من صغير وينمو رويداً رويداً الى كبير.
4- التحويل وهو التحول من كبير الى صغير…
5- التغيير وهو تغيير الأشياء من حار الى رطب ومن حلو الى مر ومالح.
6- النقل من محل الى آخر فيصعد الى فوق وينزل الى اسفل ويتحرك الى جهات أخرى ونحو ذلك ويونانيته.
ثانيا عند كلامه عن خلقة الانسان. استشهد بقول القديس غريغوريوس المتكلم باللاهوت ويوحنا الذهبي الفم وكيرلس بشأن نفس الانسان، ثم اورد ما كتبه اسقف اللاذقية ابوليناريوس واليك نصه بالحرف:
” إن للانسان نفسين واحدة ناطقة والثانية غير ناطقة، وهذا القول غير صادقة وضد قول الكتاب المقدس الذي يقول :” وصار الانسان ذا نفس حية.”
ثم يورد ما يأتي:” وافلاطون الحكيم الفيلسوف قال:” أن قوى الانسان وقوامه هو من ثلاثة اشياء من عقل ونفس وجسد وهذا الآخر قد أَخَّلَ وخالف بتقريره”
ثم ينقل الى العربية ما كتب بهذا الشأن القديس باسيليوس الكبير والأب مكسيموس وغريغوريوس النبصصي القديس يوحنا الدمشقي والقديس كيرلس، ويردفه بأقوال فلاسفة اليونان والرومان بشأن النفس، منها قول شيشرون:” إن النفس من الله اُعطيت.” وقول الفلاسفة ابيكيطيطوس وسيناكاس ومرقص وانطونينوس:” إن النفس جزء من جوهر اللاهوت” وطاليس:” انها طبيعة ولم تزل دائماً متحركة من ذاتها طبعاً” وفيثاغورس:” انها جوهر روحي مع عدة منتظمات دائمة التحرك.” وافلاطون:” انها عدو متحرك من حركته الذاتية.” وسكليبياديس:” انها مقتادة من جميع الحواس الانسانية.” وايراكليطوس:” انها من الأبخرة.” وبيدوكليس:” انها منتظمة من جميع العناصر” وديموقريطوس وليفكيبوس:” انها مخلوقة من النار.” وبيثوتورموس:” انها مصنوعة من الشمس، واليوس:” مكونة من الماء.”وكسينوفون:” انها مأخوذة من الماء والتراب” وكريطوس:” انها من الدم” وايبوقراط:” انها جوهر خامس.
ثم اختتم كلامه بما كتبه كل من الفيلسوفين فيثاغورث وافلاطون بمذهب التقمص واثبت كلامهما بما كتبه شيشرون وسقراط وذلك في الصفحات 15- 21 الى غير ذلك من الأبحاث.
ومن أبحاثه في التاريخ القديم
ايراد الآراء بشأن اقامة آدم وحواء في الفردوس فيقول ملخصاً:” كثرت الآراء في المدة التي أقامها آدم في الفردوس فقيل ثلاث سنوات وقيل سبع وقيل ثلاثون وقيل مائة سنة، وليس على أحدها برهان يثبتها ويقنع العقول، والأولى ان نقول اننا لانستطيع ان نحدد الزمان لا بطريقة من الطرق، ولا بقياس من الأقيسة عندما نتأمل بعين العقل المستنير من الله.”
ومن أبحاثه في التأريخ المدني
سرد أسماء ملوك مصر بعد مصرائيم موطد دعائم مملكتها والأول منهم سي مين وهو الذي عمر مدينة فنو المسماة اليوم الفيوم وحفر حولها خنادق وأدخل نهر النيل فأحدق بها، وصارت جزيرة في وسطه، وبعد مدة قطعوا عنها البحر وردم في خنادقه تراباً فصارت في سهل وبنيت حولها المدن بعد هذا الملك، كما قال المؤرخون وقد تملك مصر اربعمائة وثلاثون ملكاً لم يتم الوقوف على اسمائهم، ولا على تواريخهم.
ومن موضوعاته في العهد الجديد
عدة التجارب السيدية الأربع عشرة في انجيل متى( الاصحاح 2 و4 و15و 17 و19 و22) ويوحنا (الاصحاح 7و8)
ومما ذكره من سيرة بولس الرسول قوله
كان بولس يهودي الجنس ووطنه ترسيس وابوه في حماية الروم ومذهبه فريسي، وكان يسمى بالعبرانية صولوس وبالأفرنجية صافلوس، وباليوناني شاوول ودعي من الرب في السنة 36 للتجسد في 30 كانون الثاني في مدة ملك كلاديوس قيصر وهو ماض الى دمشق في نصف النهار. واعتمد من حنانيا الرسول في حنانيا بدمشق وبعد معموديته ودعوته عاد الى اورشليم ست مرات، المرة الأولى في اواخر سنة 38 واقام خمس عشرة يوماً، والمرة الثانية سنة 41 وهي سنة الغلاء والمرة الثالثة سنة49، والرابعة سنة 53 لما وعد أفسس بالرجوع والخامسة في ابتداء سنة 69 مسيحية لما امسكه اليهود وربطوه وارسلوخ الى قيصارية، وقال انا رومي وفي مذهبي فريسي ومن هناك ارسلوه الى رومية فنجا من القتل، والسادسة هي آخر مرة بعد استشهاد يعقوب أخي الرب اسقف اورشليم .
ومن مقالاته في تاريخ الكنيسة الأورشليمية
وصفه لحريق كنيسة القيامة وتجديدها سنوة 1808-1810
وتاريخ دير القديس سابا في وادي الأردن.
وذكر ما كان يدفعه الزوار للقيام عند دخولهم اورشليم.
ووصف دخول الخوارزمية اي الفرس الى القدس.
وزيارة السلطان سليم العثماني للقدس وغير ذلك…
الخلاصة
ان هذه المجموعة التي وضعها او عني بوضعها الأب ميخائيل البرامكي هي جامعة لكثير من الشؤون الدينيو والمدنية تاريخياً وعلمياً وادبياً جديرة ان يراجعها احد المحققين وينشرها.
وهي في وجه الاجمال ركيكة العبارة، كثيرة أغلاط النسخ ونحوها ولاسيما في اولها حين بدأ المؤلف بجمعها وترتيبها وهو غير متمكن من قواعد العربية، ولكنها في اواخرها اخذت مسحة جديدة من الانشاء بأسلوب رشيق بسيط.
http://www.josephzeitoun.com/