أحد مرفع الجبن يليه بدء الصيام الأربعينيّ المبارك. فيه نلمس كلمات إلهيّة من خلال القراءات والأناشيد والمزامير. ألفتُ نظركم إلى المقاطع المعروفة بالخشوعيّات، (ذيومالا الأبوستيخن واستيشيرات الألحان) الواردة في كتاب الصوم بامتياز كتاب التريودي. نرجو أن يحوز كلّ مؤمن ملتزم هذا الكتاب المتوفّر في كلّ المكتبات الكنسيّة.
المسألة في الصوم لا تقتصر على الامتناع عن بعض الأطعمة، مع أهميّة ضبط شهوة البطن. إنّها تذهب إلى أبعد من ذلك، ما يُعرَف بعمليّة التوبة أي الرجوع إلى الله، ونحن بعد نتخبّط في خضمّ هذا العالم الفاسد.
* * *
إنجيل هذا اليوم (متى 6: 14-21) يدعونا أوّلاً إلى أن نستغفر كلّ مَن أحزنّاه، كون الصوم هو صوم الجماعة، هو العودة إلى الله والعودة إلى القريب بصفاء ومحبّة.
المقطع الإنجيلي اليوم مأخوذ من عظة المسيح على الجبل. يدعونا مع كلّ التطويبات إلى أن نتمتّع بفرح الربّ. والصوم سبيل إلى الفرح الحقيقيّ “افرحوا بالربّ، وأيضًا أقول لكم افرحوا… الربّ قريب” (فيلبي 4: 4)
إنجيل اليوم يذكّرنا أنّ الصيام مرتبط بالشركة مع الآخرين “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”. أعطِ ممّا تملك للمحتاجين. فرصة هي ليشاركنا المحتاج خبزنا ومالنا، فتكون لنا كنوزٌ كوَدائعَ للخلاص، في المدى السماويّ. شارك الآخرين أموالك هذا هو الحيّز العمليّ لجهاد الصوم. ما يذكّرنا بقول الربّ: “إفدِ خطاياكَ بِعَمَلِ الإحسان” (دانيال 4: 24).
* * *
حاجة المسيحيّ الأُولى، بخاصةٍ في هذه الأيّامِ العصيبةِ والشرّيرة، هي الرّجوع إلى يسوع. نحن في حالة حرب روحيّة. أقوى وأهمّ من الحرب العالميّة. لنكسِرْ أوّلاً شهواتنا بسلاح الصوم وقوّة صلوات الكنيسة، لكي نَلِجَ إلى شوق الله وَنُخمِدَ شوقَ هذه الدنيا. الصوم يضعنا في صراع بين الربّ وعدوّه الشيطان. لنتحالفْ مع الربّ من خلال جهادنا الصياميّ، حتّى نتمتّع بفرح القيامة في زمن الفصح المشتهى.
+ افرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما