4- المعجزات مع الخادم خريستوذوروس الذي تعرض لخطر في إحدى الرحلات بالبحيرة , واعتلى جسده بسبب دوار البحر.
ولن نغفل عن خريستوذوروس ، الذي كان مدبراً لمزار القديسين ، لأنه بالحقيقة يستحق التذكار ، ليس فقط من أجل الفضيلة التي اقتناها ( لأنه كان محب الفضيلة والمعرفة ) ، واهتمامه وتعلقه الخاص بالقديسين ، ولكن أيضاً من أجل فضل الشهيدين عليه ، ولكي يعلم أولئك الذين يقرأون معجزات أباكير ويوحنا ، بحسب ما كُتب في ذلك الزمان ، حسب وصية الله بذلك ، وعاملاً في الذين يعملون ومن الذين تتم فيهم المعجزات .
وهكذا قام أفلوجيوس الشهير رئيس رؤساء كنيسة المدينة العظمى الإسكندرية ، بتعيين خريستوذوروس كمدبر لشئون القديسين ، مكافئاً إياه من قبل بوضعه في مزار يوحنا المعمدان .
والطوباوي ثيؤذوروس الذي تولى الكرسي من بعد أفلوجيوس ، دعاه للخدمة في الكنيسة ، بالإضافة أيضاً ليوحنا محب الفقراء ، الذي كان يتميز بعطائه ، وقد دعي لنفس الخدمة من قِبل الله ، إذ كان راعياً في ذلك الوقت لتلك الخراف ، واتفق وعينه بأن يتولى تدبير مزار القديسين ، هذا بالإضافة إلى تدوينه المعجزات العظيمة التي تتم بواسطة الشهيدين ، وتسليمها للذين بعدنا ، بهدف تذكار لفاعليها ، ولأجل الجسارة المسيحية .
أما بحيرة Marean فكانت معروفة لدى كل السكندريين بلا استثناء ، ومن المصريين عدد ليس بقليل ، لكثير من الليبيين ، ولكل الذين قرأوا عن الإسكندرية حباً في المعرفة . وفي تلك كان يبحر خريستوذوروس ، متشوقاً أن يصل إلى Mareotida ويتفقد الأملاك الموقوفة للقديسين . ولكن بسبب رياح شتوية قامت (لأن في مثل هذا الوقت كان آتياً) ، هيجت مياه البحيرة وارتفعت الأمواج عالية ، وكان القارب يتأرجح بسبب هذه الأمواج ، ولم يستطع أن يبحر باستقامة ، ولكن كانت الأمواج تقذفه كالكرة من هنا وهناك ، فتعرض بهذا خريستوذوروس لخطر وكان يبكي بتنهد ظناً أنه سيموت ، وتخيل أن سيصبح طعاماً للأسماك بعد أن يتجمد داخل المياه ، هذا في حالة أن نجا من أفواه التماسيح . ولكن قبل أن يتفوه بأي شئ من هذا ، توجه بالتضرع للقديسين ، لأنه كان يعلم جيداً أنه حتى من الموت يقدرون أن ينقذوه ، وكان يتوسل بحرارة أن ينجوه من الخطر الذي تعرض له من أجلهم .
أما أولئك فقد سمعوا تضرعه وجاءوا لمعونته سريعاً . لأنه لا يوجد مكان يعوق معونتهم ووصولهم لا يابس ولا بحيرة ولا مكان يبعد بمسافات طويلة ، ولكن عندما يدعوهم أي أحد لمساندة يظهرون في الحال ويساعدونه وينقذونه ويحفظونه .
ولو وُجد أيضاً هجوم من عدو غير مرئي يحاربون مع هذا الشخص ، وبعدما يهزمون العدو في تلك الحرب يتبعونه مسلحين ، ويدعون ذاك الذي دعاهم منتصراً . أو إن كان ذلك بواسطة أناس أشرار أو أي عمل صادر منهم ، بسهولة شديدة يحلون ذلك . وإن كان العائق وحش مفترس ، يهبون النجاة كمكافأة . وإن كان أي مرض خطير وألم غير محتمل ، يسكّنونه وكأطباء شفوقين يشفونه . أو إن كان الخطر في مياه بحيرات أو بحار ، فينعمون لهم بالصفاء وينقذون أولئك الذين يكرمونهم . كما حدث حينذاك ، عندما ظهروا لخريستوذوروس الذي دعاهم ، إذ واحد منهما أمر الرياح أن تهدأ والآخر انتهر المياه لتهدأ . وإذ اشتركا في نشر هدوء الجو ووجهوا القارب أن يبحر باستقامة في المياه الهادئة ، أنقذوا ذلك الخادم الحكيم ، وأظهروا بوضوح كيف يهتمون بالذين يدعونهم للمعونة . وبهذا يخبرون المؤمنين الذين لا يعرفون عن مساندتهما ، أنه عندما يدعونهما في أي احتياج أو أخطار كمعاونين يجدون تدخلهم المرجو وبحضورهما القوي تهرب أخطر الصعوبات . وأعتق خريستوذوروس من ذلك الموت الرهيب ، واجداً بتضرعاته معونة القديسين العظيمة كرفيق له . ولكن بسبب حركة القارب المتقلبة واضطراب الرياح العجيب وتخبط الأمواج بوحشية ، حدثت له عاهة جسدية طويلة المدى وتدهورت حالته بسبب ذلك ورقد بمرض غير محتمل . فقد إمتلأ جسده كله بطفح جلدي ، بسبب مادة تتكون في داخل الجسم حدث بها خلل وبطريقة أو بأخرى تدفقت على سطح الجسم ، وكان في حالة خطيرة ليس بأقل من الموقف الأول . لأننا جميعاً بالطبع سنموت ، ولا يوجد أحد لن يسير في هذا الدرب . “أي إنسان يحيا ولا يرى الموت؟” لأن الدخول للحياة واحد والخروج منها واحد . وندعو أن يمر بنا بسلام ، لأن موت كل الطبيعة البشرية هو مقرر . ونطلب أن لا يكون انتقالنا من هنا بطريقة رهيبة أو غير سالمة وبالأخص الموت الذي يحدث في البحار . وهذه الطلبة هي التي طلبها داود المرنم إذ قال “لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العمق ولا تطبق الهاوية عليّ فاها” . ويظهر بالمثل حبقوق في صلواته “هل على الأنهار حمي يا رب هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك ..” . لأنه من ناحية يدل هذا على لطفه المقدس بنا ومن ناحية أخرى سخطه الذي لا يطفئ على الذين تمت دينونتهم من البداية ، على الرغم من أن كثيرين قد عاشوا حياة مجيدة انتهت حياتهم بموت مشين ، وكثيرين عاشوا حياة شريرة ونالوا موت مجيد . وهذا أيضاً بالضبط معلوم لدى الله الذي يدبر لنا كل أحوالنا بحكمة لا ندركها وغير معروفة لنا . “لأنه من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً . الذي تحت سلطانه الكل صنع في البحر طريقاً وسبل في المياه الكثيرة . ويُكمل ذلك قائلاً “وآثارك لم تعرف” .ونعود مرة أخرى لخريستوذوروس الذي كان في خطر شديد إذ كان غارقاً في كثرة الإفرازات وكاد يختنق من إفراز تلك المادة . وقد اجتمع حوله أفضل الأطباء ، ولكنهم لم يقدروا أن يفيدوه بشيئ أو يفعلوا له شيئاً نافعاً إلا أنهم أجمعوا أنه حتماً سيموت في كل الأحوال ولن يرى حتى شمس اليوم التالي تشرق .
أما هو إذ سمع هذا التشخيص المؤسف تذكر للتو معونة القديسين السريعة معه وترجى بتضرعات أن يحظى بافتقادهما له مرة أخرى . وكان يدعو لافتقاد يوحنا وكير الشهيدين معاً ، ورئيس الجند في الشهداء تادرس . لأن خريستوذوروس كان محباً لتادرس ، وبسبب محبته الكبيرة له كان يدعوه باستمرار لمعونته . أما ذاك إذ تقبل التضرعات كأنها من صديق ، وإذ التهب بتلك المحبة القوية نزل وظهر له في حلم لمدة طويلة لأجل المعونة المرجوة . وكان في يده اليمنى علامة يمسكها ويعلوها صليب , وبوضوح قاموا بظهورهم له الذي يزيل الآلام .
يا خريستوذوروس ، تعلم جيداً لأي سبباً قد حضرت ، وإذ أنكر معرفته للسبب ، استكمل قائلاً “أني قد جئت إلى هنا لأتوسل عنك لدى كير الكاهن” . وإذ قال له تادرس الشهيد ذلك ظهر كير وأحضر معه يوحنا رفيقه واقتربوا من فراشه باهتمام كبير ، إذ كانوا قد افتقدوه من قبل ، وبأيديهم لمسوا الجروح وأخمدوا قسوة الطفح الجلدي كما بنطرون . وإذ أتموا ذلك بلطف ، انصرف ثلاثتهم أيضاً .
ولكن هذا قد تم في الحلم وانتهى الداء بظهور الشمس في الصباح . لأنه إذ أشرقت على وجه الأرض وأنارت العالم بالنور ، ظهر للجميع كقشر السمك على الجلد ، وقد يبس هذا الطفح الذي كان قد ظهر في جسمه وأصبح كقشور السمك يتساقط . وعندما سقط كل هذا من جسمه ، ظهروا له الشهداء مرة أخرى ( لأنهم كان عددهم خمسة في اليوم الأول ) وأمروه أن يستحم على أمل الفرار من الموت ببذارحبوب مشوية جيداً ( وهو نوع من الحبوب كان يطلق عليه إسم pisarion ) , وأمروه أن يدهن جسمه كله ، حتى أن كل بقعة وكل ما تبقى من التشوهات الناتجة عن الطفح يتطهر ، وهذا ما حدث بالفعل .
لأنه إذ جاء إلى الحمام بعلامات الطفح عليه ، كان يتلاشى رويداً رويداً ، حتى أنه لم تبقى فيه علامة واحدة . وهكذا رأى بعد ذلك أنه قد تحرر من أوساخ الطفح ومن التورم الذي تسبب من ذلك الداء ظهر جالية أنه قد تحرر منه .
لأنه هكذا هي عظيمة قوة القديسين ، ليس فقط في ظهورهم ولكن أيضاً في أن يلاشوا كل مرض يخطر ببالنا ، وذلك لأنهم يريدون فقط أن يزيلوا كل آثار المرض .
وهكذا خريستوذولوس تحرر من مرضه المزدوج ، وإذ خلص خدم ومجّد الشهيدين .
ونحن إذ قد وصلنا إلى النهاية ، نشاركه في تمجيده للقديسين وننتقل إلى معجزات متشابهة تمت مع زوجته من قِبل الشهيدين .
“ترجمة: يؤانس فورتوناي وإيريني مفروذي
من المجلد رقم 78، الباترولوجيا”