”إنّ فتاي مُلقى في البيت مخلَّعًا بعذابٍ شديد…
فقال له: أنا آتي وأشفيه.
… لستُ مستحقّاً أن تدخلَ تحت سقفي… ولكن قل كلمة لا غير فيبرأ فتاي.
قال يسوع لقائد المئة، إذهب وليكن لكَ كما آمنْتَ… فشُفي فتاه من تلك السّاعة.“
الشفاء الإلهي للإنسان بعد العنصرة صار بالشّفاعة!! الله الآب والابن والرّوح القدس يعملون… بل يعمل! لأنّ الكلّ أُسْلِمَ الرّوحَ القدس الّذي أَطلقه الابن بعد صعوده، ماهيّةً للحياة على الأرض، بعد أن تجسّد ابن الإله بين النّاس معطيهم القدرة على الحياة فيه، إن آمنوا!.
والإيمان عطيّة الحياة للإنسان… والإيمان يتحقّق بالمحبّة… والإيمان يُشار إليه بالكلمة المعيشة، الخارجة من فم الإبن!! إذ الإيمان هو نفخُ حياة الرّوح على الأرض في كلّ مخلوق.
نار ونور هو الآب والابن والرّوح القدس…
وحلّت العنصرة، ليعرف الإنسان أنّه مختار الله فيحيا فيه، منه، ليعود إليه، إذا أحبّه من كلّ القلب والفكر والقدرة والنّفس.
ويبقى الحبّ غير متَرْجَمٍ إلى فعل رحمةٍ وفرح، إلاّ إذا عاش الإنسان في قلب الوصايا الإنجيلية… فالوصيّة تثبيت وجود الإبن الإله حسّيًا في حياتنا.
ليست الوصايا الإنجيلية مجموعة أحكام يطبّقها ملتزمها على نفسه والآخرين، بل هي كليّة وماهيّة حياة الألوهة بيننا… هي الامتلاء من الملء الإنجيلي. هي ممارسة الوعد وسماع ما كَلّمنا به الرّب يسوع في كلّ خليّة نابضة بالحياة، ما أُعطي لنا مجّانًا من الثّالوث.
هل ينطبق هذا المقال على قائد المئة، الّذي يقف معنا اليوم ليُعلّمنا ناموس ”الحياة الجديدة“ في ومع الرّب يسوع؟.
لنطرح التسآل… قائد المئة رومانيّ. كيف عرف يسوع ربًا وإلهًا وشافيًا؟!. ”السّامريّة“ الزانية ”عدوّة“ الشعب اليهوديّ وشعبها، كيف آمنت من أعماقها أنّ هذا هو إيّاه ”المسّيّا“ المنتظر؟!.. فكشف نفسه لها؟!. ”والكنعانيّة“ الّتي سمعَتْ وقعَ قدميه في قلبها وحسِّها آتيًا إليها فقط ليقيم ابنتها من المرض والصّرع والدّود والعفن الآكلها وأُمّها؟! بسبب سُكنى الشيطان معهما؟!.
”قائد المئة“ طلب البرء ”لفتاه“، بيقين لا يتزعزع أنّ هذا الإنسان الإله، هو الإله المتجسّد حاملاً جسدنا ليشفيَنا… بهذا الإيمان شُفي فتاه وهو بعيد عنه مُلقى في بيته يتعذّب من الشرّير!!. وداعة قائد المئة وتواضعه وإيمانه النّابع من نفحة الرّوح القدس الّتي فيه، منذ مولده، تمسّكت بالرّب يسوع وعرفته ”الكلمة“، الّذي لا ابتداء ولا انتهاء له… وحدها الوداعة فعل الحياة… هكذا قارب ”العدو الرّومانيّ“ إلهَ إسرائيل، مقدِّمًا ركعة قلبية ويقينًا كيانيًا، أنّ هذا الواقف أمامه، العابر دربه يأتيه ليشفي فتاه، فشفاه بطلب، نطقه ”الكلمة“!!.
والكنعانيّة بالرّجاء والحبّ والضعف والموت المحيط بها، نزلت إلى جحيم نفسها لتقتلع منها الكبرياء وتقبَلْ، كالرّب يسوع، أن تُهان وتُرذَلَ ويُهزأَ بها، لتنال الشفاء لإبنتها والسّيّد الرّب للمسكونة قاطبة… والسّامريّة بالفعل والمنطق ومعرفة خطيئتها، عرفت أنّ هذا هو الإله المُنتظر.
أمّا نحن: فإلى من نذهب؟! كلام الحياة الأبدية عندك (يوحنّا 68:6).
لماذا ما زلنا عشراء الشكّ والتخاذل والمراوحة بين الإيمان بمن لمسته أيدينا ورأته عيوننا وأكلنا جسده خبزًا واستقينا دمَه خمرًا مُتحوِّلاً بنعمة وحلول الرّوح القدس على القرابين، حياة لا فناء فيها، بل لتملأنا حياةً من حياته، ملءً من ملئه، نورًا من نوره، إيمانًا من إيمانه، وفرحًا من فرحه، إذ صُلب جامعًا الكون كلّه إليه بتمدّد ذراعيه على صليب الحياة، لا الموت، ضامًا إليه الأنام.
مأساة الإنسان أنّه ما زال عديل الشرّير وصديقه في كلّ ما يحيا ويعمل ويُظهر ويقول ويخطّط، لقتل المسيح أيضًا وأيضًا.
أحبّة المسيح والّذين قالوا له النّعم يا رب! ”أؤمن فأعن عدم إيماني“ (مرقس 24:9) يبقون مُهدّدين بالموت المُفجِع والحياة القهّارة والظلم الّذي يعانون منه في كلّ حركة وفعل وقول في يوميّاتهم.
المسيحيّون الأوائل جاهدوا بالدّم والشهادة للإبقاء على الكنيسة عروس المسيح… ونحن ماذا نقدِّم؟! الحجارة والزخرف والأردية المطرّزة وتوابعها؟!. أبهذا يظهر المسيح ربًّا وإلهًا؟! وبيوتنا أَهَلْ هي بيوتٌ للمتعبّين والثقيلي الأحمال والمرذولين، أم هي بيوت للأغنياء وعليّة الشعب؟! من نصادق؟! الإله الّذي لم يجد مكانًا يلقي عليه رأسه، أم بليعال الّذي يفرش لنا الغواية والمال لنعبدهما؟!.
قسّم الإنسان العالم إلى طبقات إنسان فقير، وإنسان عامل، وإنسان متسلّط وإنسان يدير دفّة العالم ليسرق وينهب ويقتل، ويذبح، علّه يُفني ويدمّر بيوت الصّلاة، وناس الصّلاة، الّذين تبقى أعينهم مفتوحة على رؤيا الإله في كلّ وجه حولهم.
هؤلاء وحدهم يقفون عن يمين الدّيان يبكون، علّ الإله يرحم الّذين لم يعرفوه، أو آمنوا به، أو أحبّوا العالم والغنى والسّلطة أكثر منه!!. والّذين رفعوا أنفسهم آلهة أعلى وأعظم من الإله!!. لهؤلاء سيقول الرّب ما قاله لنا اليوم.
”أقول لكم إنّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السّماوات. أما بنو الملكوت فيُلقَون في الظلمة البرّانيّة. هناك يكون البكاء وصريف الأسنان. ثم قال يسوع لقائد المئة. إذهب وليكن لك كما آمنتَ. فشُفي فتاه من تلك السّاعة“… ألا اشفينا، ربّي، وخلِّصنا بسماحِكَ وبرّرنا، فنخلص بكلمتك وإيماننا بك والإتّكال عليك.
الأمّ مريم (زكّا)، رئيسة دير القدّيس يوحنّا المعمدان، دوما – لبنان
1 تمّوز 2012