الفصحُ عبورٌ من الكذبِ إلى الصِّدق، من الإنحراف إلى الإستقامة، من الظُّلمة إلى النُّور، من الإحباط إلى الرَّجاء، من الحزن إلى الفرح، من الموت إلى الحياة.
بالتَّوبة نحن ننتقل إلى وجه المسيح. وما التَّوبة إلّا تَحَوُّل القلب إلى الله. يقول القدّيس اسحق السّريانيّ: “الَّذي يعترف بخطيئته أفضل مِمَّن يُقيمُ الموتى… هو كَمَنِ انْتَقَلَ من الموتِ إلى الحياة”.
الفصحُ عيدُ الأعيادِ وموسمُ المواسم، فرحٌ ما بعده فرح، فيه نَنْشِدُ “المسيح قام!”، وباستمرار نُجِيبُ “حقًّا قام!”. كان القدّيس سيرافيم ساروفسكي عندما يلتقي بإنسان يقول له: “يا فرحي المسيح قام!”. نعيِّد للفصح كلّ أَحَد. فيه حياة جديدة، ولادة جديدة. المعموديَّة ما هي إلَّا مشارَكَة في موت المسيح وقيامته. الذَّبيحة الإلهيَّة، في القدّاس الإلهيّ، تحقيق لموت المسيح، على الصَّليب، وقيامته.
في كلّ لحظة ننتصر على الخطيئة أو، حتَّى، على الفكر الشّرّير، نحقّق القيامة. المسيحيّة ليست محصورة بأوقات وأيّام، هي الحياة السِّرِّيَّة في المسيح القائم على الدّوام، نغذّيها بمطالعة الكلمة (الإنجيل) وعيشها (اِتِّبَاع الوصايا)، والاِشتراك الحَيّ بالأسرار الإلهيّة.
* * *
في حديثِ القدّيس سمعان اللّاهوتيّ الحديث (1) عن القيامة، يتكلّم عن عمل الرُّوح القدس فينا اليوم ويقول: “قيامة المسيح هي قيامتنا نحن الواقِعِين في الخطيئة، هي قيامتنا من قبر التّواضع والتّوبة”. النّفس تحيا باتِّحادها بالله، الّذي هو الحياة الأبديّة، تعرفه بالرُّؤيا والحِسّ، لأنَّ المعرفة لا تكون بدون رؤيا ولا الرُّؤيا بدون تحسُّس. لذلك، في كلّ أحد لا نقول: “إذ قد آمَنَّا بقيامة المسيح…” بل “إذ قد رَأَيْنَا قيامة المسيح…”. الرُّؤيا تأتي أوَّلًا، وبالرُّؤيا المعرفة والحسّ. الأعمى عندما تصدم رجلُه حجرًا يتحسّس للصّدمة لكن بدون رؤيا. بالنّسبة للأمور الرّوحيّة، إن لم يرتفع العقل إلى مستوى الرّؤيا، رؤية الأمور الّتي تتخطّى المعاني، لا يتحسّس فعل النّعمة الإلهيّة.
أيُّها الأحبّاء!، نحن نحيا المسيح القائم بنعمة الرُّوح القدس الّذي فينا. يظهر لنا قائمًا عندما نراه بأعيننا الرُّوحيّة وبقلوبنا النّقيّة. فنصرخ “اللهُ الرَّبُّ ظَهَرَ لنا مُبَارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ”.
—————-
(1) عاش في النّصف الأوّل من القرن الحادي عشر.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 15، الأحد 12 نيسان 2015