زكّا” في اللغةِ العِبريّة معناه “مَن ذَكَرَه الله”. اليوم تَحقّق ما سُمِّي به. الاسم، في العادات القديمة، ضربٌ مِن نبوءة. الخاطئ حبيب المسيح حتّى الخلاص. ليس أحد متروكًا مهما كانت خطيئته. كلّ خطيئة تُغفَر لبني البشر. فقط التّجديف على روح الرّبّ لا مغفرة له. ما التّجديف؟ أن نقول عن روح الرّبّ وما هو من روح الرّبّ، عن حسد، عن نكاية، عن نكد، عن كيديّة… ما ليس فيه ولا منه. المجدِّف يعرف لكنّه يرفض ما يعرف، لغايةٍ غير نقيّةٍ في عُمقِ نفسِه! لذا يقول في الحقّ باطلاً وفي الباطل حقًّا، لأنّ مقاصد نفسه ملتوية! فيتركه الرّبّ الإله يصدِّق الكذب لأنّه لم يقبل الحقّ، بل استهان به ورذله!
زكّا لم يكن مجدِّفًا. كان خاطئًا مثلي ومثلك. كلّ مَن يدين خاطئًا لا يعرف نفسه. وكلّ مَن يعرف نفسه، على حقيقتها، لا يمكن إلاّ أن يرحم! إِنْ يَدِنْ أحدٌ نفسَه لا يَدِنْ أحدًا من بعد! “ولا أنا أدينكِ.. اذهبي ولا تخطئي بعد”، قال السّيّد للمرأة الزّانية الّتي أُمسكت في ذات الفعل! كم من خاطئ استمرارُه في الخطيئة مردُّه إلى أنّ مَن حوله يصرّون على إدانته! لا يصدّقونه حتّى ولو تاب! لِمَ التّوبة إذًا؟ يقول في نفسه؟! قبل أن تكون لأحد، بعامّة، خبرةُ رحمة الله عليه، يحتاج لأن يختبر رحمة النّاس حياله! بالمحبّة، وحدها، نساهم في صنع أحدنا الآخر!
زكّا قسا الجميعُ عليه، لذلك أقام، يائسًا، في خطاياه! بعد كلّ تلك الأيّام، لم يكن بحاجة لأكثر من كلمة قالها له يسوع: “يا زكّا، أسرع، انزل، اليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك”! حجر الزّاوية أنّ يسوع أحبّه! لمس قلبه! الإنسان قلب!
لذا لا يعرف الإنسانَ إلاّ مَن يحبّه! بالحبّ الأصيل ينزل روح الرّبّ على الإنسان، ليستقرّ فيه؛ وبكهربة الحبّ بين النّاس ينتقل الرّوح في سِلك التّحابّ!
حادثة زكّا تأتي بعد حادثة الشّابّ الغنيّ، لتؤكِّد كيفيّة تحقيق ما سبق أن أفضى به الرّبّ يسوع في شأن الغنيّ بعامّة!
زكّا، بإزاء محبّة يسوع الفائقة، شَعَر بالأمان، في عمق نفسه! توتّرات نفس الإنسان وموارباته عائدة، بخاصّة، إلى عدم شعوره بالطّمأنينة! وهذه لا تأتي إلاّ بالتّحابّ الكبير! شرود الإنسان، بالأكثر، مسعًى ملتوٍ لاستعادة سلام كيانيّ مفقود لديه! بعدما وجد زكّا ضالّته، لم يعد بحاجة إلى غنى هذا الدّهر. استغنى بالله! لذا أبدى أنّه يعطي نصف أمواله للمساكين! أوّل ما فكّر فيهم! لماذا؟ لأنّه عرف، بمحبّة الرّبّ يسوع له، كم كان، هو نفسه، مسكينًا! كم كان، في أعماق قلبه، فقيرًا! رغم ما جمع من مال الدّنيا! بالحبّ يغتني الإنسان لا بالمال! فقط مَن يعرف مسكنة روحه يدخل في شركة أصيلة مع الفقراء! أن يعطي نصف أمواله للفقراء معناه، وجوديًّا، كيانيًّا، أنّه يعطيهم كلّ شيء، وأنّه يتخلّى بالكامل عمّا جمعه. لم يعد قلبُه فيه! القلب وجد ضالّته!
ولمّا أضاف زكّا: إن كنتُ وشيتُ بأحد أردّ أربعة أضعاف، اعترف، عمليًّا، بخطيئته، وأبدى أنّه يكفّر عنها تكفيرًا كبيرًا! مَن بَلَغ المحبّة، استبانت خطيئتُه لعينيه قبيحةً جدًّا، حتّى ليَبكي على ضلالاته بكاء شديدًا!
بعض آبائنا أكّد أن لا نصيب لأحد في الملكوت إن لم يَبْكِ أوّلاً!
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة “، العدد 4، الأحد 26 كانون الثاني 2014